الكاتب السوري صميم الشريف : يثير صخبا برواية أخفاها لما بعد موته !

لم ينتبه السوريون، وخاصة من الأجيال الجديدة، إلى المكانة التي تشكلها أعمال الكاتب الراحل صميم الشريف في الأدب السوري، فقد تعرفوا عليه من خلال برامجه التلفزيونية التي ذهبت إلى الموسيقى والذاكرة البصرية الموسيقية للتلفزيون، وهو في هذا أيضا أهم القامات العربية وليس في سورية فقط .. وعندما توفي في عام ((2012)) افتقده الجميع في الوسط الثقافي والأدبي والموسيقي وفي مبنى الإذاعة والتلفزيون تذكره العاملون هناك سريعا في صباحه الهادئ، ((وقد ناهز الخامسة الثمانين من عمره)) في كل يوم يأتي فيه لمتابعة مونتاج برنامجه التلفزيوني ..

ترك صميم الشريف للسوريين عشرات الكتب والمؤلفات التي تعنى بالموسيقى والأدب وأثرى المكتبة العربية بكتب ودراسات عديدة عن الموسيقى العربية والموسيقى في سورية، لكنه كان يخفي بين دفاتره مخطوطة لرواية اسمها ((المياه العائمة)) عن مدينة دمشق وهي المدينة التي أحبها ودفن في أحد مقابرها مع تصاعد الحرب عليها من كل الجهات ..

بدأت المشكلة عندما أصدرت وزارة الثقافة السورية روايته التي لم نكن نعرف بها، أي رواية ((المياه العائمة))، كانت عبارة عن مخطوطة بحوزة ورثته، وعندما صدرت تلقفها بعض المتابعين لإصدارات وزارة الثقافة السورية الأدبية، قبل أن يبدي القراء في سورية ((وهم قلة)) رأيهم فيها، وسريعا نشر الكاتب والناقد الدكتور إسماعيل مروة، وهو رئيس للقسم الثقافي في صحيفة الوطن السورية مقالا ينتقد فيها طباعة هذه الرواية من قبل وزارة الثقافة، وكان انتقاده لوزارة الثقافة مثيرا للاهتمام، فهل يمكن أن تتردد وزارة الثقافة في نشر رواية لكاتب كبير مثل صميم الشريف؟!

سبق الدكتور إسماعيل مروة مثل هذه التساؤلات، فأوضح جانبا مهما في نقده يؤكد فيه أهمية الرواية وصاحبها، لكنه احتج على نقطتين هما: أن الرواية تسيء لمدينة دمشق ومجتمعها، وأن الوزارة حذفت منها شيئا ما، ويقول حرفيا: ((هي رواية تتناول حياة دمشق في الأربعينيات من القرن العشرين(…) انغمس الروائي من أولى صفحات الرواية إلى خاتمتها في تصوير عالم الجسد المأجور، فتحولت دمشق التاريخ والحضارة إلى مجموعة من البغايا، ما من واحدة منهن ترفض امتهان الدعارة، وأخص الدعارة لا الحب!!

ويشرح الدكتور مروة قصته مع الرواية، فإذا هو كان قارئاً مكلفا من بين مجموعة الكتاب التي تقوم بتقييم مايرد إلى الهيئة العامة للكتاب التي أصدرتها، ويشير إلى أنه قرأها مغفلة من اسم الكاتب، وعندما انتهى من قراءة المخطوطة كتب فيها تقريراً بأنها رواية مشوقة، وبأنها تتناول حقبة محددة، والبيئة فيها مدروسة بعناية، لكن المشكلة أن كل هذه الأهمية ضاعت في اللهاث وراء المتعة وبيع الجسد للدمشقيات في ذلك الوقت، ولا يجوز أن يطبع عمل يسيء إلى مدينة أي مدينة، وليس إلى دمشق وحدها، خاصة على مطابع وزارة الثقافة…

هكذا عرض الدكتور مروة رأيه كقارئ مكلف، مشيرا إلى أن القراء المكلفين الآخرين شاركوه وجهة نظره، لذلك أثارته طريقة النشر، ((فصدرت الرواية أسرع مما كنت أتخيل، وبتعديل كلمات من ابن الروائي)) ..

لفت هذا الحديث عن رواية ((المياه العائمة)) اهتمام الكثيرين في الوسط الثقافي السوري، فشرعوا بالبحث عنها لقراءتها، وهي تتحدث عن مدينة دمشق عشية الاستقلال من خلال أحداث روائية تقع في حارة ((السبع طوالع)) تعكس ظروفا تعيشها المدينة في تلك الحقبة :

• الاستعمار الفرنسي ومقاومته من قبل أبناء دمشق مما دفع الفرنسيين إلى قصفها وإحراق أسواقها وقتل العشرات بل المئات من أهلها ..
• فيضان نهر بردى ، وهو يجرف الحجر والشجر والبشر ..
• الجراد وهو يغزو الغوطة الغناء في تلك الفترة .

ومن خلال هذه المحاور الأساسية تتحرك الشخصيات في ظروف صعبة نتعرف فيها على الظاهرة التي يشير إليها الدكتور مروة، والتي لها علاقة بالجسد والدعارة ، والتي حملت في بعدها التاريخي الإساءة إلى المجتمع الدمشقي وتاريخه وأهله كما يرى الدكتور مروة.

وربما لم يكن صميم شريف يقصد ذلك، بل كان، وهو الذي عاش قبل موته عامي 2011 و 2012 من الحرب في سورية، كان يريد أن يقول إن ظروفا أشد قسوة من هذه الحرب عاشها السوريون وانتصروا فيها، وبينما كان أولئك الذين وصلت إليهم ((المياه العائمة)) يواصلون قراءة الرواية، جاء الرد من براغ، ولم يكن قد نشر بعد عندما قدم لي الشاعر توفيق أحمد الذي تولى حديثا إدارة الهيئة العامة للكتاب صورة من رد زيد صميم الشريف المؤرخ في 15/11/2015 ، وزيد هو ابن كاتب الرواية وقد تابع عملية النشر مع وزارة الثقافة، وفي رده وجه اتهامات ثقافية وسياسية مبطنة إلى الدكتور إسماعيل مروة أخذت السجال بعيدا عن النقد ، ومما جاء في رسالته :

(( كنت أتمنى من السيد الكاتب اسماعيل مروة أن يكون موضوعياً في نقده لرواية يبدو أنه قرأها وفهمها من زاوية واحدة! .. فات الأستاذ مروة بأن رواية “المياه العائمة” لصميم الشريف، تنتمي إلى الأدب الواقعي، وأنا لا أعلم إلى أي نوع من الأدب ينتمي الأستاذ مروة، لأنني حقيقةً ومنذ مغادرتي لدمشق منذ 35 عاماً، لم أهتم بأن أتابع أي موجة أدبية في الوطن العربي، ولو أن الموجات الأدبية “الإسلامية” التي تتشدق بالأخلاق وتقصف دمشق يومياً بالهاون وصلتني كلها سواء عن طريق الإنترنت أو المحطات الفضائية العامرة))

واختتم زيد الشريف رسالته بالقول بإهانة واضحة :

((يجب أن أقول في النهاية بأنه في كل زمن وجد أشخاص استطاعوا أن يتجاوزوا رؤية مجتمعهم الأخلاقية القاصرة لفن أو أدب، وهنا أريد أن أشكر الهيئة العامة للكتاب ووزارة الثقافة والسيد وزير الثقافة على الجرأة التي أبدوها في نشر كتاب والدي رحمه الله صميم الشريف، وينطبق عليهم حقيقة قول الشاعر الألماني الكبير غوته “سيئاتي من صنع عصري أما أخلاقي فمن صنعي أنا” فإذا كانت الوزارة الكريمة ممثلة بالسيد الوزير قد ارتكبت “سيئة” لا سمح الله بنشر رواية صميم الشريف “المياه العائمة” فما دفعها لذلك شعورها بأن المستقبل هو الذي يحكم ويقرر وبهذا تكون الوزارة قد سبقت عصرها، وعملت بذلك بالوظيفة التي ألقيت على عاتقها وهي رفع مستوى الناس إلى مستوى الكتاب والثقافة، وليس الهبوط بهم إلى الرؤية الفقيرة العاجزة التي وصفها اشبنغلر فيما جاء أعلاه!!..))

ولم يرد في الرسالة أي إيضاح للتعامل مع النص الأصلي الذي تحدث عنه الدكتور مروة، وعن آليات التعامل مع مخطوطة توفي صاحبها منذ ثلاث سنوات .. لقد سجل الكاتب الراحل صميم الشريف نقطة على المثقفين، فقد رمى حجرا في البركة الراكدة للثقافة السورية وهو خارج هذه الدنيا، وعليهم سريعا أن يقرؤوها بعناية سواء كانت تسيء للمرأة الدمشقية اجتماعيا وأخلاقيا، أو كانت تذكر السوريين بصمودهم في وجه الاستعمار والطوفان والجراد !!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى