عابد فهد: الشجاعة احترام للمشاهد وللنفس
ترسم كواليس الشاشات والأخبار صورةً نمطيةً لأهل الفن خارج «الحل الوسط». نجدهم طبيعيين ومرهفين او مزاجيين أصحاب جنون. عشرة النجم والممثل السوري عابد فهد تبرزه استثناءً، أمام وخلف عدسة الكاميرا. هو كل ذلك على طريقته، بطفولة انسانية مختبئة باقتدار داخل كاريزما طاغية. في موقع التصوير لا يمكن الحديث معه، فقط الشخصية التي يؤديها متوافرة، لذا توزعت أجوبته في مقابلته مع «الحياة» داخل الـ «لوكايشن» وخارجها.
في السنوات الأخيرة كان بين قليلين تجرأوا بشجاعة على انتقاد أعمال أدّوا بطولتها. يرى فهد أن «هذه الشجاعة هي احترام للمشاهد واحترام للنفس ايضاً، ليس من الخطأ ان تعترف بأخطائك وإلا لن تتجدد ولن تمتلك القدرة على المغامرة بتجارب جديدة، كل شخص يخطىء، وليس هناك اي مانع من القول ان في هذا المكان لم أكن جيداً. المشاهدون يدركون الخطأ، هم يفهمون بالدراما ويعرفون ادواتك، اذا لاحظوا خطأك او ضعفك في مكان معين لا يمكنك ان تكذب عليهم وتقول كنت ممتازاً، لأنك ستفقد ثقتهم»، مضيفاً: «انا احب عملي، هو كل حياتي. من هذا المنطلق لا يمكنني ان اكذب، لا على نفسي ولا على المشاهدين».
جواب الفنان السوري يدفع تلقائياً لسؤاله عن سبب تأجيل تصوير عمله الجديد والنص الخاص جداً «لا تطلقوا الرصاص» من انتاج «ايغل فيلمز» وتأليف الكاتب سامر رضوان الذي قدّم له سابقاً شخصية «رؤوف» التي سطعت في «الولادة من الخاصرة». يرد باختصار مفيد جداً وحنكة ممازحاً: «المخزن فاضي… عم يعبّوه». أمّا عن أكثر ما يزعجه في مهنته خلف الأضواء، يقول بشيء من الإصرار والحسرة: «احياناً أضطر الى المجاملة والمسايرة. أنا ديموقراطي واتحمل وزر اخطاء ومشاكل بإمكاني التغاضي عنها وإدارة ظهري لها، لكنني اشارك في كل مشروع كفريق عمل وليس كبطل، وهو ما يكون على حسابي ويتعبني فكرياً وجسدياً ولا أستطيع التخلي عنه، هذه هي الحقيقة لو ظن بعضهم انني ابالغ».
وحول ما دفعه بعد كل ذلك إلى عدم التردد في «تبني» وبطولة خماسية «يا جارة الوادي» من تأليف ممدوح حمادة وإخراج الليث حجّو ضمن سلسلة الجزء الثالث من «أهل الغرام»، يؤكد فهد: «الحياة تفرض عليك احياناً بعض الظروف التي لها علاقة بالظرف المادي، لكن الآن يأتيك مشروع يغري وشكله وقيمته الفنية جذّابة لدرجة انك لا تستطيع غضّ النظر عن المشاركة فيه».
ويكشف مكامن شخصية «يوسف» التي يؤديها في المسلسل، وتعتقل بسبب اختبار امني وإشاعة فرّقته عن شريكته «شام» (أمل بوشوشة)، قائلاً: «عندما تكون في زمن مفقود فيه اتصالك مع العالم الخارجي، يتداعى في ذهنك تخيلات كيف يمكن ان يكون، وبعد خروجك من السجن بعد 18 عاماً، ستكون في حالة ارتباك للتعايش مع المكان ومتغيراته ومن فيه، ستشعر بالغربة، حالة من المد والجزر، من الهيجان العاطفي تجاه من تبحث عنه، مع خوف من العالم الجديد». يوضح الحال التي اختارها لـ «يوسف»: «الارتباك جزء من اداء الشخصية، ان تبحث من جديد على وجود لك وأنت مغيّب ومتهم بجرم يخشى منه كل العالم، ستصبح منبوذاً، فأصبحت هناك حالتان من الأداء، التعاطي مع المكان، والتعاطي مع الجرم، والبحث عن الزوجة والابنة التي لا يعرفها، ما يشكل له رعباً وخوفاً… لحظة فرح مرعبة وصادمة عند الالتقاء بها للمرة الأولى، هذا هو يوسف».
ويكشف فهد عن مشروع جديد مقتبس عن رواية الأديب أمين معلوف «سمرقند» (نشرت عام 1988) التي تدور في أربعة فصول من زمنين، حول العالم والفيلسوف عمر الخيّام والراوي بنيامي عمر لوساج، على أن يتولى السيناريو والحوار غسّان جباعي. لكن العمل الأقرب إلى التفيذ على أجندة فهد هو «السلطان والشاه» في مصر بعد تجربة وحيدة هي «حكايات وبنعيشها» انتاج (2010). يقول: «معروض عليّ عمل مصري تاريخي في موسم رمضان بعنوان «السطان والشاه» عن سليم القانوني، شخصية تاريخية متمردة صاحبة انقلابات، هذا قد يكون مشروعنا المقبل». ويشير في هذا السياق إلى حرصه على الأمانة في الأعمال التاريخية التي يعتبرها ملعبه المفضل، وقدم فيها أعمالاً عدة مثل «الزير سالم» و»أبو الطيب المتنبي» و»الحجّاج بن يوسف الثقفي» و»المرابطون» وغيرها. يؤكد أن «الوثيقة التاريخية هي الغطاء، العمل والدكتور محسن العلي المشرف الأدبي عليه أمينان على الوثائق الموجودة، ومن خلال قراءة الحلقات الأولى لأن الكتابة لم تنته بعد، ومع مقارتني لما قرأته عن عائلة سليم ووالده، هناك تطابق مع الوثائق». ويلفت إلى ان المسلسل يتحضر لرمضان المقبل، وسيصوّر في مصر من بطولة ممثلين من كل انحاء العالم العربي».
يختم عابد فهد، الرجل السوري، المقابلة قبل أن يمسك ديوان الشاعر السوري هاني ناديم، ويقرأ: «جوّهت عليك الأنبياء والأولياء ووحشة الجوعان/ جوّهت عليك طائرتي الورقية وبيتنا الذي كان/ وسقت إليك منافيّ التي فيّ وكل منازل الخذلان/ بحقّ طينك الذي جبلنا به وأقماطنا التي حيكت من الأحزان/ كن وطناً يا سيدي مثل بقية الأوطان».
صحيفة الحياة اللندنية