تبون يستبدل سياسة الترهيب بالترغيب لاحتواء ناخبي القبائل
تحاول السلطات الجزائرية استمالة السكان في منطقة القبائل المطالبة بـ”الاستقلال”، بخفض الجناح والتهدئة مع الاحتجاجات المطالبة بالاستقلال، وذلك بهدف ضمان تولي الرئيس عبد المجيد تبون فترة رئاسية ثانية في ظروف هادئة. قُبيل الانتخابات الرئاسية المقررة في سبتمبر/القادم المقبل، بعد أن فشلت سياسة القمع في إنهاء الاحتجاجات.
وتعتبر منطقة القبائل الجزائرية بؤرة صداع حقيقي للسلطات التي تخشى أن تتحول التطورات الأخيرة إلى مصدر إلهام لعموم البلاد، التي باتت تستنسخ تجربة سكان المنطقة من أجل تحقيق مطالبها المتنوعة.
ونقل موقع “مغرب إنتلجنس” عن مصادر وصفها بـ”الاستخباراتية”، أن تبون أطلق “حملة إغراء واسعة النطاق” تجاه منطقة القبائل بهدف “تدجين” هذه المنطقة المتمردة والتي تعد موطن الحركات الاحتجاجية الأكثر خطورة على النظام، معلنا نهاية النهج القمعي”، حيث يسعى لضمان الهدوء هناك قبل الانتخابات.
وتابع الموقع الناطق بالفرنسية والمتخصص في القضايا الأمنية والعسكرية بالمنطقة المغاربية، أن تبون يخشى من سيناريو انفجار الغضب الشعبي في منطقة القبائل، أو عودة الحراك إلى شوارع المدن الكبرى مثل بجاية والبويرة وخراطة، مضيفا أن رئيس الجمهورية أعرب عن شعوره بالقلق جراء تزايد نشاط الحركة الانفصالية” في المنطقة.
السلطات تخشى من سيناريو انفجار الغضب الشعبي في منطقة القبائل، أو عودة الحراك إلى شوارع المدن الكبرى مثل بجاية والبويرة وخراطة.
ويأتي تحرك تبون بعدما تمت دعوة حركة تقرير المصير في القبائل للمشاركة في مؤتمر حول الشعوب الأصلية، نظم بمقر الأمم المتحدة في نيويورك في شهر أبريل/نيسان الماضي، وأعلن فرحات مهني، رئيس الحركة عن قيام “دولة القبائل” وذلك خلال تجمع كبير للمنتمين للمنطقة قرب مقر الأمم المتحدة. وجاء هذا الإعلان في ذكرى مرور 44 عامًا على “ربيع الأمازيغ” عام 1980، و23 عامًا على “الربيع الأسود” عام 2001، وهما مناسبتان شهدتا احتجاجات قوية في منطقة القبائل تم قمعها من قبل السلطات الجزائرية. كما اختير توقيت الإعلان، الساعة 6:57 مساءً، ليتزامن مع ذكرى معركة 24 يونيو 1857، حيث هزم جيش القبائل القوات الفرنسية بقيادة المارشال راندون.
وقد سبق إعلان الاستقلال تنفيذ إجراءات أمنية مشددة في منطقة القبائل من قبل السلطات الجزائرية، حيث تم حشد قوات الجيش والأمن وطوق مدينتي تيزي وزو وبجاية، كما تم قطع خدمة الإنترنت في المنطقة. وشوهدت صور وأعلام منطقة القبائل منتشرة على جدران وشوارع المدينتين. وعقب إعلان الاستقلال، قامت السلطات الجزائرية باعتقال عدد من الأشخاص في منطقة القبائل.
وهذا الوضع، جعل تبون يتخوف من انتشار الطرح الانفصالي للقبائل على المستوى الدولي، ما دفع الرئاسة الجزائرية إلى العمل على نهج سياسي جديد خاص بالقبائليين، بعدما اقتنعت أن “القمع لم يعد كافيا”، وعلى هذا الأساس تلقى العديد من وزراء الحكومة الحالية تعليمات من أجل زيارة المنطقة عاجلا والإعلان عن مشاريع جديدة للتنمية هناك.
وتستمر زيارات مسؤولين رسميين من أجل مقابلة ممثلي سكان المنطقة، بما في ذلك زيارة وزير الصناعة والإنتاج الدوائي علي عون يوم 13 مايو/أيار الجاري، ولقاؤه بمديري الصناعة الكهربائية بمدينتي تيزي أوزو وعزازقة، والإعلان عن دعم الدولة للمنطقة من أجل تسويق منتوجاتها واستكشاف الأسواق الخارجية.
وأعلن الوزير نفسه عن تخصيص غلاف مالي بقيمة تعادل 26 مليون يورو لفائدة المؤسسة الوطنية لصناعة الأدوات المنزلية في تيزي أوزو، من أجل التغلب على خسائرها والاستمرار في العمل لتفادي فقدان العمال لوظائفهم، وهو الأمر الذي سيُعمم على مؤسسات اقتصادية أخرى المنطقة، وينتظر أن يتم الإعلان عنه من قبل وزراء آخرين.
وذكرت مصادر أن تبون ينوي التوجه إلى منطقة القبائل بشكل شخصي، لكن أثناء الحملة الانتخابية إذ أدرج مدينة تيزي أوزو ضمن محطاته التي يسعى من خلالها لضمان تأييد القبائليين لبقائه رئيسا للبلاد لولاية ثانية، حيث سيروج لفكرة أنه “الأب الحامي للأمة الجزائرية”، وسيُبدي اهتماما كبيرا بأولويات هذه المنطقة.
في هذا الإطار، قال فرحوح حنفي، الوزير الأول في حكومة القبائل المؤقتة في المنفى (أنافاد)، في تصريح لجريدة “النهار” المغربية، إن “المجلس العسكري الحاكم في الجزائر معروف بتناقضاته الصارخة، فبينما يدعم شعوباً معينة في سعيها للحصول على حق تقرير المصير والاستقلال، كما هو الحال بالنسبة لفلسطين، بوليساريو وغيرهما، فهو يرفض رفضا قاطعا هذا الحق المشروع لبلاد القبائل”.
وأضاف حنفي أن “الشعب القبائلي، منذ 2021 على وجه الخصوص، كان ضحية لقمع غير مسبوق وغير مقبول، إذ مازال مئات الناشطين السياسيين القبائليين يقبعون في السجون بتهمة انتمائهم العرقي لبلاد القبائل، في حين يُمنع عشرات الآلاف منهم من مغادرة التراب الجزائري، بينما أصبح العديد من القبائليين من الجالية في الخارج عديمي الجنسية”.
وأشار إلى أن “المناورات الأخيرة للنظام الجزائري تهدف بالدرجة الأولى إلى مواجهة أجندة الحكومة القبائلية المؤقتة التي تمضي قُدما في تنفيذ برنامجها وضمنه إعلان ميلاد الدولة القبائلية المستقلة، وكذلك إعلان أحادي الجانب لاستقلال بلاد القبائل العام المقبل في حال تعنت الجزائر ورفضها تنظيم استفتاء على الاستقلال يستجيب للمعايير الدولية”.
ميدل إيست أون لاين