خرج إلى العلن، خلال الأيام الأخيرة، الخلاف الآخذ في التعمّق، بين «تحالف الجنرالات» الذي يضم الوزيرين في «كابينت الحرب»، بني غانتس وغادي آيزنكوت، ووزير الأمن يوآف غالانت، ورئيس هيئة أركان الجيش، هرتسي هاليفي، من جهة، ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وحلفائه في اليمين المتطرّف، وأبرزهما الوزيران إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش من جهة أخرى.
يتمحور الخلاف حول مسألة «اليوم التالي» للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، حيث لم تتوصّل بعد، القيادة السياسية في الكيان إلى رؤية موحّدة لما يجب أن تكون عليه الأوضاع الأمنية والسياسية في القطاع بعد الحرب.
ويعتبر تحالف الجنرالات، والمستوى الأمني بشكل عام، أن من واجب المستوى السياسي أن يضع خططاً واضحة لما يريد تحقيقه من الحرب، وكيفية استغلاله سياسياً لتغيير الواقع في غزة.
وفي أكثر من مناسبة، آخرها في «عيد الاستقلال» الإسرائيلي المزعوم، نبّه رئيس أركان الجيش إلى أن تخلّف المستوى السياسي عن وضع خطة لليوم التالي للحرب، «يؤدّي إلى تآكل الإنجازات العسكرية للقوات الإسرائيلية في قطاع غزة».
وفي الاتجاه نفسه، تبعه غالانت، قبل أيام قليلة، حين خرج في مؤتمر صحافي، وهاجم نتنياهو بوصفه رئيساً للحكومة بسبب عدم وجود خطة سياسية، مُعلناً معارضته إقامة حكومة عسكرية إسرائيلية في القطاع أو احتلاله.وطوال الأشهر الماضية، منع نتنياهو عقد نقاشات جدّية حول «اليوم التالي» على مستوى الحكومة الموسّعة أو «كابينت الحرب». وهو أبدى انزعاجاً وغضباً شديديْن من عقد غالانت جلسة مناقشة مع قادة المؤسسة الأمنية، لمناقشة المسألة المذكورة. واعتبر أنه ليس من صلاحيات ولا من مهام المؤسسة الأمنية، المسائل السياسية.
غير أن الأجهزة الأمنية تدرك تماماً أنها باتت تقاتل في غزة، من دون مسار واضح وأهداف سياسية منطقية، وبدأت تتشكّل مجموعة جديدة من المعترضين على استمرار الحرب، ترفع شعار عودة الجنود من قتال مستمرّ بلا أهداف واقعية.
وربط نتنياهو ترتيبات «اليوم التالي»، بإنهاء حكم «حماس» في غزة. واعتبر القضاء عليها ضرورياً لتحقيق أي حكم فلسطيني بديل. وقال: إن «حماس» أفشلت جهوداً إسرائيلية لدمج فلسطينيين من غزة، في الإدارة المدنية لتوزيع الغذاء في القطاع.
وبناءً عليه، فإن القضاء عليها – بحسب نتنياهو – هو «خطوة أساسية لضمان أنه في «اليوم التالي» لن يكون هناك أي عنصر في غزة يمكن أن يهدّدنا». وكرّر القول إنه لن يستبدل في قطاع غزة «حماسستان بفتحستان».
وقبل يومين، ومع احتدام الجدل حول المسألة المشار إليها، دعا نتنياهو إلى جلسة «كابينت»، موضوعها «اليوم التالي»، وقال في ختامها (إننا) «منفتحون على كل الأفكار لكن من دون السلطة (الفلسطينية)، وحتى يمكننا مناقشة إدارة محلية للقطاع».
لكن هذه الجلسة شهدت خلافات حادة جداً بين الفريقين نفسيهما، الجنرالات وحلفاء نتنياهو، بينما حاول الأخير أن لا يصطفّ بوضوح، خوفاً على تماسك الائتلاف الحاكم.
وفي شباط الماضي، طرح نتنياهو وثيقة فيها عناوين عامة لرؤيته لما بعد الحرب، في ما مثّل محاولة للالتفاف على المطالبات الإسرائيلية الداخلية والأميركية بضرورة مناقشة خطة «اليوم التالي».
إلا أنه بعد نحو 3 أشهر من طرحها، لم يجرِ فعلاً أي نقاش جدّي حول الوثيقة، التي عوملت كأنها لم تكن، علماً أنها تنص على أن «تحافظ القوات الإسرائيلية إلى أجل غير مسمى على حرية العمليات في جميع أنحاء قطاع غزة»، إضافة الى الاحتفاط بشريط أمني حدودي داخل القطاع «طالما دعت الحاجة إليه».
كما تنصّ خطة نتنياهو على أن «إسرائيل ستسيطر أيضاً على الحدود بين قطاع غزة ومصر، وستعمل بالتعاون مع مصر والولايات المتحدة لمنع التهريب، بما في ذلك عبر معبر رفح». وتضيف أن قطاع غزة سيكون منزوع السلاح باستثناء الأسلحة «الضرورية للحفاظ على النظام العام»، فيما سيجري إحداث تغييرات في المناهج التعليمية وبرامج الرعاية الاجتماعية وإغلاق «الأونروا».
وفي نقطة بارزة، تنصّ الوثيقة على أنه سيتمّ تنفيذ هذه الخطة «بقدر الإمكان بمشاركة ومساعدة الدول العربية التي لديها خبرة في تعزيز مكافحة التطرف في أراضيها». وبعد تحقيق كل ذلك، تكون عملية «إعادة الإعمار» بتمويل وإشراف «دول مقبولة لدى إسرائيل».
ولا تحدد الوثيقة بوضوح من يتصوّره نتنياهو لحكم القطاع، لكنها تقول إن «عناصر محلية ذات خبرة إدارية» ستكون مسؤولة عن الإدارة المدنية والنظام العام في غزة.
بعد مرور نحو 8 أشهر على الحرب، يتمسك نتنياهو بخطته، ويجري عليها تعديلات طفيفة بحسب التطورات الميدانية والسياسية. ولا يُبدي استعداداً لمناقشة جدّية وموسّعة لليوم التالي، لأنه لا يريد الالتزام بغير ما يراه مناسباً، ولا يريد أن يخضع لضغوط وزراء في الحكومة أو ضغوط الأميركيين التي يجيد الإفلات منها.
لكن مشكلة نتنياهو، تكمن في استعصاء المقاومة، وفشل قواته في تحقيق أهداف الحرب، وتحوّل المعركة إلى معركة استنزاف طويلة، تتعقّد معها البيئة العملياتية والسياسية أمامه أكثر فأكثر.
وبالفعل، يبدو نتنياهو والقيادة السياسية أمام «مفترق طرق» أو «فخ واختبار استراتيجي غير مسبوق»، وفق ما اعتبر الكاتب الإسرائيلي، غيرشون هكوهن، في «إسرائيل اليوم».
وأشار إلى ما طرحه زميله روي بن يشاي قبله، حيث خلص إلى التوصية «بحكم فلسطيني مشترك مع قوة عربية، لكن شرط هذا هو موافقة رئيس الوزراء على إخراج كلمتي دولة فلسطينية من فمه»، وهو ما «يؤدّي في مآله النهائي إلى تقسيم القدس، والانسحاب من غور الأردن، وترسيم حدود إسرائيل الشرقية في الضفة الغريبة».
وأضاف: «بنظرة أمنية واعية: (هذا هو) الطريق إلى كارثة أمنية وقومية». وطالب القيادة الأمنية والسياسية بـ«اختراق طريق يؤدي إلى الخلاص من المتاهة الاستراتيجية الآخذة في التطوّر في الأسابيع القادمة، إلى تهديد وجودي شامل على دولة إسرائيل».
صحيفة الأخبار اللبنانية