لماذا جاء خطاب السيّد نصر الله “هادئًا” و”مُخالِفًا” لتوقّعات الكثيرين
عبد الباري عطوان
الانطباع الأوّلي والسّريع الذي يَخرُج به المُراقب من خلال مُتابعته لخطاب السيّد حسن نصر الله الأخير الذي ألقاه بمُناسبة مُرور أسبوع على اغتيال الشهيد السيّد فؤاد شكر القائد للجناح العسكري لحزب الله هو أنّ الرّد الانتقامي، سواءً من قِبَل الحزب أو إيران، لن يأتي سريعًا، ولن يكون خلال ساعات أو أيّام، حسب الانطباع السّائد في معظم أوساط محور المقاومة، وإنّما ربّما جرى الاتّفاق على تأجيله لأيّامٍ أو أسابيع أو أشهر، حسب التّقديرات السياسيّة والميدانيّة لمحور المقاومة.
النّقاط التي تشير إلى تأجيل خطاب السيّد نصر الله :
صحيح أنّ السيّد نصر الله أكّد في الخطاب “أنّ ردّ حزب الله آت” وأنّ إيران ملزمةٌ بالرّد أيضا. ولكنّ هناك مجموعة من النّقاط تشير بشَكلٍ مباشر، أو غير مباشر لتأجيله:
الأولى: أنّ السيّد نصر الله لم يحدّد العنصر الزمني لهذا الرّد. وهذا أمرٌ مفهوم، فساعة الصّفر، أي بدء الحرب، من الأسرار العسكريّة الكبرى التي لا يمكن. بل لا يجب، الإعلان عنها في خطابٍ عام. ولكن لهجة الخطاب جاءت تميل أكثر إلى التّهدئة وليس التّصعيد. بالقياس إلى الخطابات الثّلاثة الأخيرة لسماحة السيّد.
الثانية: تأكيد السيّد نصر الله أنّ القدرة والتّصميم على الرّد موجود. ولكن هذا الرّد يجب أن يتّسم بالشّجاعة وليس بالانفِعال.
الثالثة: التّذكير من قبَل السيّد بأنّ حالة الانتظار هي جزءٌ من المعركة مثلما هو جزءٌ من العِقاب. و”إسرائيل” كلّها باتت تقف على رجل ونصف من أقصى الشّمال. مرورًا بالوسَط، وانتهاءً بالجنوب.
الرابعة: دعوة السيّد المقاومة في قطاع غزة والضفّة الغربيّة إلى “المزيدِ من الصّبر والصّمود” أيضا. ودعوته إلى جبَهاتِ الإسناد إلى مواصلةِ العمل على الوتيرة نفسها.
ومن النفاط أيضا :
الخامسة: الحروب خدعة. ولهذا فإنّ السّؤال الذي يطرح نفسه، هل أرادَ السيّد نصر الله من خلالِ هذا الخطاب، وما ورد فيه من لهجةٍ تميل إلى التّهدئة. تضليل دولة الاحتلال والولايات المتحدة الدّاعم الأكبر لها. ومفاجأة العدو لاحقًا؟ هذا مجرّد احتمال نطرحه من قبيل الموضوعية التحليليّة. ولكنّنا لا نخفي في الوقتِ نفسه إصابة بعض الدّاعمين، والمنتمين لمحور المقاومة بحالةٍ من الصّدمة، لأنّهم، وهذا من حقّهم، كانوا ينتظرون الرّد الثأريّ على اغتيال هنية وشكر على أحرّ من الجمر، وفي أسرعِ وقت ممكن، خاصَّةً أن العدو الإسرائيلي صعّد من مجازره، وحرب الإبادة في قطاع غزة، بالنّمطِ نفسه، إن لم يكن أسرع، وربّما يشجّعه عدم الرّد السّريع على الإقدام على المزيد من الاغتيالات.
هناك احتمالٌ ثالث لا نستطيع استبعاده وهو نجاح الضّغوط والتّهديدات الأمريكيّة لإيران وأذرع محور المقاومة في دفع جبَهات الإسناد إلى التّهدئة وعدم الرّد، أو تأجيله للمزيد من الاستِعداد، والسّعي للحصول على أسلحةٍ ورادارات، ومنظومات دفاع جوّي أكثر قدرة على التصدّي للطّائرات الأمريكيّة والإسرائيليّة التطوّرة، وخاصَّةً من روسيا.
الخلاصة مما تقدم
ما يمكن استخلاصه من كل ما تقدّم أنّ أساليب المقاومة الحاليّة للاحتلال، مثل حرب الاستِنزاف التي يشنّها حزب الله في شمال فلسطين المحتلّة، وهجمات أنصار الله اليمنيّة على السّفن الإسرائيليّة والأمريكيّة في البحور الثّلاثة (الأحمر والعربي، والمتوسّط) إلى جانب المحيط الهندي، والهجوم يوم أمس بالصّواريخ على قاعدة “عين الأسد” الأمريكيّة ومقتل وإصابة العديد من جنودها، كلّها عمليّات مقاومة قد تستمر وتتزايد في الأيّام والأسابيع المقبلة.
نعترف أنّنا في هذه الصّحيفة كنّا نتوقّع ردًّا سريعًا على هذا العدوان الإسرائيلي الفاجِر، لأنّ المصاب كبير، والاغتيالات كانت استفزازيّة بشكلٍ غير مسبوق، فاغتيال دولة الاحتلال للشّهيد إسماعيل هنية في قلبِ العاصمة الإيرانيّة، وفي مجمع سكني عسكري من المفترض أنّه الأكثر حماية، جاء إهانةً لإيران، وانتهاكًا لسيادتها وكرامتها، والشّيء نفسه يقال أيضًا عن اغتيال السيّد فؤاد شكر، رئيس هيئة أركان جيوش حزب الله في قلبِ الضّاحية الجنوبيّة، معقل المقاومة الإسلاميّة اللبنانيّة.
نعم اغتيال الشّهيدين هنية وشكر من حيث التّوقيت وبالطّريقة التي تمّ بها كانَ انتصارًا لنتنياهو وكيانه للأسف، وكان الكثيرون يتمنّون أن لا تطول احتِفالاته به، تقال وفي الحلقِ مرارة، ولكن ما باليد حيلة، ورحم الله الشّهيدين، ومن سبقوهما، ومن سيأتي بعدهما، خاصَّةً أنّ آلة القتل والاغتيال الإسرائيليّة لن تتوقّف، ونأمَل أن نكون مخطئين أيضا. كما وأن يكون خطاب السيّد الأخير خدعة للإسرائيليين وأعمامهم الأمريكان أيضا. والله أعلم بالبواطن.
صحيفة رأي اليوم الالكترونية