تحليلات سياسيةسلايد

نتنياهو يُصدر تعليماته لجيشه بالاستِعداد لعُدوانٍ على جنوب لبنان.. لماذا قد يَصدُق هذه المرّة وما هي الأدلّة التي تُرجّح ذلك؟

عبد الباري عطوان

يتّفق الكثير من المُحلّلين سواءً في دولة الاحتلال أو في عواصمٍ غربيّةٍ حليفة، أنّ “إسرائيل” تعيش حاليًّا في مأزقٍ وجوديٍّ في تفاقمٍ مُستمر، بعد اتّساع دائرة الصّراع، وتعدّد الجبَهات، وفشل الجيش الإسرائيلي في توفير الأمن والحماية لمُستوطنيه، وتحقيق أهدافه بالقضاء على كتائب المُقاومة في قطاع غزة في حربٍ توقّعها قصيرة وساحقة لا يزيد مداها عن أُسبوعين.

 

بعد انهيار مُفاوضات وقف إطلاق النّار التي رعتها الإدارة الأمريكيّة وانعقدت جولاتها في القاهرة والدوحة طِوال الأشهُر 11 الماضية، باتَ الخِيار المُرجّح المُتاح أمام بنيامين نتنياهو هو الإقدام على توسيع الحرب بشنّ هُجومٍ مُوسّعٍ على جنوب لبنان على أمل القضاء النهائيّ على “حزب الله” وتحييد أخطاره، ووقف حرب الاستنزاف التي يشنّها بدهاءٍ محسوب في الجبهة الشماليّة، أو في مِنطقة الجليل وجِوارها على وجه الخُصوص.

***

عندما فشل نتنياهو في استفزاز إيران باغتيال الشّهيد إسماعيل هنية قائد حماس في قلب عاصمتها، ودفعها إلى الرّد الفوريّ الثأريّ في عُمُق “إسرائيل” بِما يُؤدّي إلى حربٍ إقليميّةٍ تضْطر أمريكا وترسانتها العسكريّة الهائلة لدُخولها، ها هو يعود الآن إلى الخِيار الآخَر، وهو إشعال فتيل الحرب ضدّ حزب الله في جنوب لبنان تحت ذريعة إعادة الهُدوء إلى جبهة الشمال، وإعادة جميع المُستوطنين (أكثر من 150 ألفًا) إلى مُستوطناتهم التي هربوا أو جرى إخلاؤهم منها بحثًا عن الأمان بعيدًا عن صواريخ “حزب الله” ومُسيّراته.

تصريحات نتنياهو التي أصدرها أمس والتي قال فيها “إنّ إسرائيل مُحاطة بأيديولوجيّة قاتلة يقودها محور الشّر الإيراني، وإنّ “حزب الله” هو الذّراع الأقوى لإيران في هذا المحور” تُؤكّد هذه الفرضيّة خاصَّةً عندما عزّزها بقوله “أصدرت تعليمات للجيش وقوّات الأمن بالاستِعداد لتغيير الوضع في الشّمال”.

نتنياهو الغارق في الهزائم في جميع الجبَهات، يُريد الهُروب إلى الأمام، على أمل توريط أمريكا مجددًا في حرب بالإنابة عنه، أو لإنقاذ كيانه، وبما يُؤدّي إلى بقائه في السُّلطة لعدّة سنوات، ويبدو أنّه يقترب من هذا الهدف، في ظِل اتّفاق يُؤيّده حتّى أشرس خُصومه مِثل الجِنرال بيني غانتس رئيس المُعارضة.

هُناك تطوّران رئيسيّان يُعتبران أحد أبرز المُؤشّرات التي تُرجّح مُقامرة نتنياهو المُتوقّعة في الأيّام القليلة المُقبلة:

الأوّل: الهُجوم العُدواني الذي شنّته الطّائرات الإسرائيليّة مساء الأحد على مِنطقة مصياف في مُحافظة حماة السوريّة القريبة من حُدود لبنان، وقيل إنّه استهدف مركزًا عسكريًّا رئيسيًّا للأبحاث الخاصّة بإنتاج أسلحة كيماويّة، ويضم فريقًا من الخُبراء العسكريين الإيرانيين، ممّا أدّى إلى استِشهاد 18 شخصًا وإصابة 37 آخرين حسب ما جاء في بيانٍ رسميٍّ سوريّ، ونقلته وكالات عالميّة.

الثاني: إرسال كتائب حزب الله العسكريّة مُسيّرتين اخترقتا الأجواء الإسرائيليّة، ووصلتا إلى مدينة نهاريا السّاحليّة قُرب عكّا، وأصابت إحداهما بُرجا مدنيا في قلبها، ولكن دُونَ وقوع قتلى يُقيمون في المبنى المُستهدف، وكانت الإصابة واضحة للعيان بالعين المُجرّدة، مع الإشارة إلى أنّ هجمات حزب الله الصّاروخيّة على أهدافٍ عسكريّة في الشّمال الفِلسطيني المُحتل مُستمرّة بالوتيرةِ نفسها وبصفةٍ يوميّة.

صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيليّة قالت نقلًا عن مصادر عسكريّة أنّ هذا الهُجوم الذي استهدف مدينة “مصياف” في مُحافظة حماة السوريّة قد يكون مُقدّمة لهُجومٍ إسرائيليٍّ وشيك على جنوب لبنان في ظِل عودة التوتّر إلى المِنطقة، وتأكيد الجِنرال هاليفي رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي لتهديدات نتنياهو بغزو الجنوب اللبناني.

***

نتنياهو يعيش حالة من اليأس والإحباط بسبب فشله في تحقيق أيٍّ من أهدافه في غزة وخاصَّةً القضاء على حركة حماس، وانفجار الثّورة المُسلّحة في الضفّة الغربيّة الأخطر في وجهه، وزاد طين أزَماته وهزائمه بلّة، العمليّة التي نفّذها النّشمي الأردني ماهر الجازي، في معبر الكرامة على الحُدود الأردنيّة الفِلسطينيّة المُحتلّة، وأدّت إلى مقتل ثلاثة رجال أمن إسرائيليين برصاصاتٍ في الرّأس، تُنبِئ بأنْ تكون قمّة حبل الجليد في المُستقبل المنظور.

عُدوان نتنياهو على جنوب لبنان، إذا تحقّق سيكون مُقامرة يائسة وخاسرة حتمًا، وتسريعًا للنّهاية السّريعة لدولة الاحتلال، حتّى لو تدخّلت أمريكا وحاملات طائراتها في عمليّة إنقاذ، فحزب الله لم يستخدم إلّا أقل من 10 بالمئة من قُدراته العسكريّة وترسانته الصّاروخيّة، وأنفاقه العملاقة، ومُسيّراته، ولم يُطلق حتّى الآن صاروخًا باليستيًّا دقيقًا واحدًا كإنذار، واكتَفى بصواريخ الكاتيوشا القديمة المُحَدّثة فقط.

ما ينتظره محور المُقاومة، وقائدته إيران، هو أنْ تأتي الرّصاصة أو الصّاروخ الأوّل من إسرائيل، وبعدها سيتم فتح أبواب جهنّم على الاحتلال ومُستوطنيه، فإذا كانَ نتنياهو انهزم في غزة، وتاهت قوّاته في أنفاقها، فهل يستطيع أن ينتصر في مُواجهةٍ مع “حزب الله” وحُلفائه في جنوب لبنان حيث مدينة أنفاق كاملة أكبر من بيروت في قلب الجبال الشّاهقة الصّخريّة الأبَيّة وما يتواجد فيها من مُفاجآتٍ وأسرارٍ عسكريّةٍ لن نعرفها إلّا بعد بدء الحرب؟

الإجابة مكتوبة على الحائط ولا نحتاج إلى شرحٍ مُطوّل.. والأيّام بيننا.

صحيفة رأي اليوم الألكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى