دعوة تبون للحوار الوطني لا تجد متحمسين إلا من الموالاة
أشادت وسائل الإعلام الجزائرية بإعلان الرئيس عبدالمجيد تبون إطلاق حوار وطني شامل مفتوح والقيام باستشارات سياسية مع مختلف القوى والطاقات الحية في البلاد، بهدف “إشراكها في صياغة السياسات السياسية والاقتصادية للجزائر”، في حين أن تبقى تفاصيل المبادرة مبهمة وغارقة في الغموض ولم يوضح الرئيس أبعادها إلا أن الإعلام المقرب منه استفاض بالترويج لها، فيما يتوقع متابعون أنها لن تتجاوز اللقاءات الشكلية السابقة التي عقدها الرئيس مع قادة الأحزاب والتنظيمات.
وطغت الشعارات السياسية على خطاب تبون الذي استفاضت صحيفة “الخبر” بالمديح والثناء عليه، إلى درجة أن أطلقت على دعوة الحوار “الخطوة العملاقة” في حين أنها أمر طبيعي في أبجديات السياسة بعد الانتخابات، فيما العبرة تبقى في مخرجات الحوار ومدى تطبيقها.
وأوردت الصحيفة المقربة من السلطة أنه “بإعلانه إطلاق حوار وطني شامل إلى جانب فتح ورشات بالعديد من القطاعات الحيوية، يكون رئيس الجمهورية عبدالمجيد تبون قد كشف أمام كبار المسؤولين في الدولة وممثلي الأحزاب السياسية والشخصيات الوطنية والمجتمع المدني، عن أهم محاور العهدة الرئاسية الثانية التي نال منها ثقة أكثر من 7 ملايين صوت و84 بالمائة من الأصوات المعبر عنها في الرئاسيات الماضية”.
وتابعت أن الرئيس في خطابه الأول الذي دشن به عهدته الرئاسية الثانية، “كان صريحا عندما تحدث عن مباشرة حوار وطني مفتوح (خلال العهدة الثانية)، لنخطط معا للمسيرة التي ستنتهجها بلادنا في ما يخص تجسيد الديمقراطية الحقة وليس ديمقراطية الشعارات”.
وأضافت تحسب هذه “الخطوة العملاقة” للرئيس تبون من باب أن “فتح حوار وطني” متعدد كان مطلبا من مطالب العديد من الفعاليات السياسية في البلاد، وأيضا مطلبا من مطالب التنظيمات المهنية والنقابية وأرباب العمل وفعاليات المجتمع المدني، وبإعلانه الرسمي عن فتح هذه الورشة يكون رئيس الجمهورية قد استجاب لرغبة كل الفاعلين في الساحة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولعل هذا الموضوع يكون سجله الرئيس بمناسبة لقائه، شهر ماي الماضي (21 ماي 2024)، مع قيادات عدة تشكيلات سياسية أفرغت ما بجعبتها في ذلك اللقاء من اقتراحات وانشغالات، ويكون الرئيس سمع أيضا وسجل انشغالاتها.
ويؤكد متابعون أن مفهوم “الحوار الوطني المفتوح” يبقى غير واضح، خاصة أن الرئيس يتحدث عن “التخطيط معا”، وسط تساؤلات حول هذه الدعوة وهل تسفر عن شراكة سياسية حقيقية تشمل القوى الوطنية والهيئات التمثيلية والمهنية في رسم الخيارات، أم أن الأمر مجرد عنوان سياسي يتماشى مع طبيعة الخطاب والمناسبة.
ويتعامل الإعلام الموالي للسلطة مع أرقام تبون الاقتصادية المستقبلية على أنها أمر واقع وكأنها إعلان للنجاح، بينما يتساءل الرأي العام الجزائري، هل يملك النظام القدرة والرغبة والأهلية والمشروعية لتنظيم ما يمكن تسميته “حوار وطني”؟ وهل هناك أي فرصة لنجاحه في “تعزيز الديمقراطية الحقيقية” في الجزائر.
ويحذر البعض من زيادة الدعاية والترويج لدعوة الحوار الوطني، معتبرين أن من شأنها أن تحرف انتباه الرأي العام الجزائري عن متابعة الأوضاع الصعبة الموجودة في البلاد والمرشحة للتفاقم بسبب تفشي الفساد، مضيفين أن الحوار الوطني سيصطدم بجملة من المحرمات والخطوط الحمر، عنوانها الرئيسي دور المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية.
وتضمن أول خطاب للرئيس تبون بمناسبة أدائه اليمين الدستورية أمام إطارات الأمة وكبار المسؤولين والشخصيات الوطنية وممثلي الأحزاب السياسية والمنظمات المهنية والنقابية والمجتمع المدني، العديد من النقاط في شكل تعهدات ورؤية لمسار الخمس سنوات القادمة، لمشروع “الجزائر المنتصرة” الذي رفع شعاره خلال حملته الانتخابية لرئاسيات 7 سبتمبر، مؤكدا أنه سيتم خلال العهدة الثانية التي فوضه إياها الشعب الجزائري رفع سقف الطموحات بكل “ثقة وثبات”.
وفي هذا الإطار قال تبون “نستهل “عهدة رئاسية ثانية نجدد فيها عهدنا أمام الله وأمام الشعب والتاريخ، رافعين لواء الجيل العظيم من شهداء الجزائر الأبرار عبر الأزمنة ولا نحيد عن نهجهم”، مضيفا أنه سيرفع خلال هذه العهدة “بكل ثقة وثبات” سقف الطموحات من أجل “الارتقاء أكثر بالأداء الاقتصادي، ومواصلة العمل على تشجيع وتوسيع نطاق الاستثمارات الوطنية والأجنبية”.
وباستثناء وسائل الإعلام التي تدور في فلك السلطة، لا يبدي الجزائريون ارتياحا أو تفاؤلا تجاه تعهدات الرئيس بل يعتبرونها مجرد محاولات دعائية من المحال أن تؤدي إلى تحسين حقيقي في حياة الجزائريين، بل الهدف منه إبعاد شبح الحراك الشعبي الذي يحوم يقض مضاجع الجنرالات وراء كواليس الحكم. فالحوار الوطني، فلن يكون مصيره أفضل من مصير باقي مبادرات تبون.
ميدل إيست أون لاين
BASEL ALOK