تحليلات سياسيةسلايد

إسرائيل تتدحرج إلى مأزق غير مسبوق

علي حيدر

تحوَّل استهداف القاعدة العسكرية التابعة للواء غولاني في مدينة «بنيامينا» على بعد 70 كلم من الحدود اللبنانية، في المنطقة الواقعة بين حيفا وتل أبيب، إلى محطة فارقة في سياق مواجهة الحرب الإسرائيلية على لبنان.

 

وهي تذكّر في بعض أبعادها ومفاعيلها، بشعار «انظروا إليها تحترق» التي أطلقها الأمين العام لحزب الله الشهيد السيد حسن نصرالله، لدى إصابة سفينة «ساعر 5» خلال حرب عام 2006، إذ من الواضح أن عملية استهداف قاعدة لواء غولاني، لم تكن حدثاً عرضياً، وإنما جزء من نمط عملياتي متّسق. فليست المرة الأولى التي تستهدف فيها المقاومة هذا العمق الجغرافي بل استهدفت ما هو أبعد منه. وليست المرة الأولى التي تستخدم فيها مُسيّرات ضمن هذا العمق وما بعده. والأمر نفسه ينسحب على الأهداف العسكرية.

مع ذلك، فإن طبيعة الهدف العسكري وعلى هذا العمق ومزايا الأداة المستخدمة (مُسيّرة تُستخدم للمرة الأولى) وسياقاته وما نتج عنها من نتائج دموية «مؤلمة» بحسب إقرار القادة الإسرائيليين، تفرض التوقف عند ما تميز به على مستوى النتائج ورسائلها الاستخبارية والعملياتية والسياسية والاستراتيجية.

في السياق العام أتت العملية رداً على تمادي العدو في استهداف المدنيين في كل الأراضي اللبنانية وجزءاً من استراتيجية حزب الله بجعل حيفا وغيرها بمثابة كريات شمونة والمطلة لجهة استهدافها بالصواريخ والمُسيّرات، وترجمة لاستراتيجية التصاعد في الردود على العدو بما ينسجم مع رؤية المقاومة وخطتها.

ومما دفع حزب الله إلى اتخاذ قرار بهذه العملية في هذا التوقيت، أيضاً، رهانات العدو بأن المقاومة الإسلامية لا تملك القدرة على تنفيذ ما توعّدت به، وهو ما عكسته بعض مواقف قادته إضافة إلى عدوانه الأخير في مدينة بيروت وضاحيتها الجنوبية أيضاً.

وقد أوهم هذا التقدير العدو بأن الاغتيالات والضربات التي تلقّاها حزب الله، قد سلبته القدرات المطلوبة والإدارة الحكيمة والحازمة. فكان القرار بضرورة جبي ثمن باهظ ومؤلم يُبدِّد هذه التصورات والرهانات، فأظهرت المقاومة الإسلامية بعضاً مما لديها باستهداف أحد معسكرات لواء النخبة «غولاني» في جنوب مدينة حيفا المحتلة، وغير المعلوم للكثير من المستوطنين.

كذلك، كشفت هذه العملية مستوى الإحاطة الاستخباراتية والمعلوماتية بخارطة انتشار قوات العدو الخاصة على الأراضي الفلسطينية، وحتى داخل المدن وفي مبان محددة.

وهو أمر يتطلب ما هو أبعد من جولات «الهدهد» المتتالية في أجواء فلسطين المحتلة. وإنما يحتاج أيضاً إلى توفر تقنيات وأدوات لا تقلّ أهمية. فتحديد المقر في بناية محددة داخل مدينة على بعد عشرات الكيلومترات في العمق الإسرائيلي، وتحديد لحظة الذروة التي يجتمع فيها الجنود لاستهدافهم هما مؤشران إلى أن حزب الله تجاوز استعادة المبادرة العسكرية إلى ما هو أبعد من ذلك.

على المستوى العملياتي والعسكري، تقاطعت تقديرات العدو مع ما كشفه بيان غرفة عمليات المقاومة الإسلامية حول استخدام مُسيّرات للمرة الأولى.

يشي ذلك، بأن حزب الله أدخل في المعركة مستوى جديداً من الأدوات ونجح في مفاجأة العدو بذلك عبر اختراق نوعي لمنظومات الاعتراض الجوي، بمعية تكتيك احترافي تمثّل بإطلاق عشرات الصواريخ باتجاه أهداف متنوعة في مناطق نهاريا وعكا بهدف إشغال منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلي، حيث تمكّنت المُسيّرات النوعية، من اختراق رادارات الدفاع الجوي الإسرائيلي دون اكتشافها ووصلت إلى هدفها في المعسكر الهدف، وانفجرت في الغرف التي يتواجد فيها العشرات من ضباط وجنود العدو الإسرائيلي. وهو معطى إضافي كاشف عن احتفاظ حزب الله بقدراته الاستراتيجية التي يستخدمها وفق خطة مدروسة وهادفة في مقابل خطة العدو العملياتية والاستراتيجية والسياسية.

مع ذلك، تتنوع الرسائل التي تنطوي عليها هذه العملية ومعها أيضاً العديد من الضربات السابقة واللاحقة وما يُتوقع أن تشهده الأيام والأسابيع المقبلة. فقد أظهرت العملية للعدو أن حزب الله يملك القدرات التي تمكّنه من استهداف العمق الاستراتيجي لكيان العدو في المكان والزمان والهدف الذي لا يخطر على بال أجهزته الاستخبارية والعسكرية.

وهو واقع يتجاوز تقديرات العدو ورهاناته التي افترض أنه يمكن له في ضوئها خوض معركة طويلة من أجل إخضاع حزب الله. لكن في هذه الحالة ستكون الأمور مختلفة جداً لدى جهات القرار لدى دراسة مستقبل خياراتها، بعدما تلمس حقيقة أن حزب الله لا يزال يملك القدرات التي تسمح له بمواصلة استهداف العمق الإسرائيلي وصولاً إلى حيفا وتل أبيب وما بينهما.

عكست هذه العملية أيضاً إرادة القرار لقيادة المقاومة بأنها مستعدّة لمواصلة مسارها الارتقائي وأن سياسة التهويل والاغتيالات والتدمير لن تردعها عن أي خيار ترى أنه من المجدي انتهاجه ويخدم استراتيجيتها في مواجهة الحرب الإسرائيلية وإحباط أهدافها.

ومن الواضح أن ما تقدّم على مستوى القدرة والإرادة يمثل العوامل الأكثر تأثيراً على مؤسسة التقدير والقرار في كيان العدو، بعدما تتجاوز اختبار الواقع في الاستمرار والزخم.

وليس خافياً أن هذا الاتجاه في الضربات يؤسّس ويعزز معادلات رد ستكون حاضرة أيضاً لدى جهات القرار السياسي والأمني، كونها ذات صلة مباشرة بمعادلة الجدوى والكلفة التي في ضوئها يتم تقدير مآلات هذه الحرب وإمكانية تحقيق الأهداف المؤمّلة منها، والأثمان التي يمكن أن تدفعها في هذا الاتجاه.

في الخلاصة، أي حرب مهما طالت أو قصرت ستقف في نهاية المطاف. لذلك ما هو الأهم من مدتها هو نتائجها التي ستبقى تواكبنا لسنوات وعقود.

ومن المرجّح أن جزءاً كبيراً من خلفية الحديث عن الحرب الطويلة على لبنان هو جزء من الضغط النفسي على المقاومة وأهلها، خصوصاً أن ذلك يعني أن حزب الله سيواصل استهداف المنطقة الممتدة من حيفا إلى تل أبيب وهو أمر لم يسبق أن اختبرته طوال تاريخها.

لذلك فإن العوامل الضاغطة على عمق الكيان وعلى مؤسسة القرار في هذا الاتجاه لم يسبق أيضاً أن تعرّضت له، فكيف إذا واصل حزب الله ضغوطه العسكرية التصاعدية في الضغط على مراكز الثقل الاجتماعي والاقتصادي والسياسي أيضاً، عندها سيجد نتنياهو وحكومته أن إسرائيل تواجه واقعاً مغايراً لما راهن عليه وسيضعها أمام تحديات وتهديدات لم يسبق أن واجهتها طوال تاريخها.

صحيفة الأخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى