تركيا تراهن على ملأ الفراغ الفرنسي في أفريقيا
تسعى تركيا إلى تعزيز نفوذها في أفريقيا من بوابة التعاون في مجالي الطاقة والدفاع، بينما تروج مصادر دبلوماسية تركية لفكرة أن أنقرة “شريك مرغوب فيه” في القارة بفضل ماضيها “غير الاستعماري”، ضمن مساعيها لملأ الفراغ الفرنسي في المنطقة.
ويشارك وزير الخارجية هاكان فيدان يومي السبت والأحد في اجتماع في جيبوتي الدولة الصغيرة الواقعة في القرن الأفريقي والتي تحررت أواخر عام 1977 من استعمار فرنسا التي لا تزال تحتفظ بقوات عسكرية هناك. وتنظم هذا الاجتماع منظمة الشراكة التركية الإفريقية التي تنشط في مجال التعاون وتم انشاؤها في العام 2008.
وتسعى أنقرة إلى الدخول في شراكات اقتصادية مع العديد من الدول الأفريقية بهدف إيجاد حلول لأزمتها المالية بعد أن تخلى الرئيس رجب طيب أردوغان عن سياسته الخارجية العدائية التي أدت إلى هجرة الاستثمارات الأجنبية للبلاد، بالإضافة إلى خسارة عدة أسواق خارجية.
ويقول مصدر دبلوماسي في أنقرة إن “الميزة الرئيسية لبلدنا هي الماضي غير الاستعماري. عندما يبحث الرؤساء المناهضون للإمبريالية عن شركاء جدد، فإنهم يفكرون في بلدنا كأولوية”.
وقبل نشأة الجمهورية التركية في العام 1923، حكمت الإمبراطورية العثمانية العديد من الأراضي الإفريقية وسيطرت عليها، لكنها فقدت نفوذها هناك في الفترة الممتدة بين القرنَين التاسع عشر والعشرين.
وسعت أنقرة إلى لعب دور الوسيط منذ يونيو/حزيران الفائت بين إثيوبيا والصومال، الجارتين المتاخمتين لجيبوتي واللتين تربطهما علاقات متوترة، من خلال ضمان وصول إثيوبيا إلى المياه الدولية عبر الصومال، دون المساس بسيادة مقديشو.
وتقول مصادر دبلوماسية تركية إن “أنقرة تتموقع في أفريقيا بشكل جيّد نظرا إلى انعدام الثقة الكبير في المنطقة تجاه القوى العظمى وكذلك تجاه دول الخليج”.
وعززت أنقرة منذ نحو 20 عاما نفوذها في الصومال من خلال استثمارات في مجالات الزراعة وبناء مطار مقديشو ومركز تدريب عسكري ومستشفى ومدارس، مستغلة حاجة البلد الذي مزقته عقود من الحرب، إلى التمويلات والمساعدات.
وفي الآونة الأخيرة، وصلت السفينة التركية “عروج ريس” إلى مقديشو في مهمة للتنقيب عن الغاز الطبيعي والنفط في المياه الصومالية بموجب اتفاق بين البلدين ينص على القيام بأعمال تنقيب في ثلاث مناطق تبلغ مساحة كل منها 5 آلاف كيلومتر مربع.
وفي موازاة ذلك، وقِّعت أنقرة اتفاقات تعاون في مجال التنقيب عن الغاز والنفط، وكذلك استغلال مناجم أخيرا مع النيجر.
وتملك الشركة الوطنية التركية ثلاثة مناجم ذهب في هذا البلد الواقع في الساحل الإفريقي والذي يضم مناجم ذهب ويورانيوم.
وأشار وزير الطاقة التركي ألب أرسلان بيرقدار هذا الصيف إلى أن “هناك أيضا إمكانات في مجال النفط والغاز الطبيعي”.
وتحظى هذه المناجم بحماية مباشرة من الجيش النيجيري، فيما تعتبر تركيا “شريكا أمنيا” للعديد من دول المنطقة.
ووقّعت أنقرة بمرور الزمن اتفاقات تعاون عسكري مع أكثر من 25 دولة إفريقية وزودتها بأسلحة من صنعها بما في ذلك مسيّرات ومروحيات وطائرات تدريب ومركبات مدرّعة.
كما أن موقفها الرافض للعقوبات التي فرضها الغرب على الأنظمة العسكرية في النيجر وبوركينا فاسو ومالي يسهل أيضا علاقات أنقرة مع هذه الدول.
وأصبحت تركيا تبعا لذلك، رابع أكبر مزود للأسلحة إلى منطقة جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا، وفقا لتقرير صادر عن “معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام” نُشر في مارس/آذار الفائت.
وتقوم أنقرة أيضا بتدريب القوات المسلحة للعديد من الدول الإفريقية، بحسب مصادر دبلوماسية تركية رفضت الكشف عن البلدان المستفيدة منها.
وتشدد المصادر التركية على أن “أنقرة تساهم في الحرب ضد الإرهاب”، مؤكدة أن “هذه المعركة والتنمية الاقتصادية يجب أن تتم بشكل متزامن”، لا سيما في منطقة الساحل.
وأشار الرئيس السنغالي باسيرو ديوماي فاي الذي استقبله الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أنقرة الخميس، إلى أن “غرب إفريقيا منطقة تهيمن عليها المشكلات الأمنية” مضيفا أنه “من الضروري تعزيز التعاون في قطاع الدفاع”.
أما من الناحية الاقتصادية، فتساعد شركات بناء تركية في مشاريع البنية التحتية مثل تطوير السكك الحديد في تنزانيا (6.5 مليارات دولار)، في ترسيخ صورة بلدها.
وتجاوزت قيمة المعاملات التجارية بين تركيا والدول الإفريقية 40 مليار دولار في العام 2022، وتسيّر الخطوط الجوية التركية حوالي خمسين وجهة في القارة.
ميدل إيست أون لاين