كتب

‘توماييني’ الكينية رواية متنوعة ما بين المرأة المقهورة والمرأة الثورية

محمد الحمامصي

د.محمد يسري تترجم عن اللغة السواحيلية عملا للكاتبة كلارا موماني تدور أحداثه حول فتاة تحاول الصمود أمام والد يرغمها على الختان وترك المدرسة وهي لازالت قاصرًا تمهيدا لتزويجها.

 

تعتبر رواية “توماييني” للكاتبة الكينية كلارا موماني مدخلا للتعرف على مشكلات المرأة وما تعانيه مش مشكلات وأزمات تحت مظلة السلطة الذكورية في القارة الإفريقية، وأيضا نافذة على الآخر الإفريقي بشكل عام، حيث تروي قصة فتاة تتحدى أعراف مجتمعها البالية، وترفض الختان وإكراهها على الزواج وتصر على استكمال مشوارها التعليمي ودخول الجامعة رغم تعنت والدها واستخدامه لغة العنف ضدها هي ووالدتها وأخواتها، ولكنها تتمسك بآمالها حتى النهاية.

الرواية التي ترجمها عن اللغة السواحيلية د.محمد يسري محمد، وصدرت عن دار العربي تدور أحداثها حول “توماييني” الفتاة الكينية التي يعني اسمها في اللغة السواحيلية “الأمل”، تبحث عن ذاتها والهروب من طغيان العادات والتقاليد التي تعاني منها المرأة في بلدها وفي أغلب بلاد القارة الأفريقية.. حيث تحاول الصمود أمام والدها الذي يرغمها على الختان وترك المدرسة وهي لازالت قاصرًا، تمهيدا لتزويجها.

تحارب توماييني التي لازالت في طور الطفولة، المجتمع المتمثل في والدها الذي لا يرَ نفعًا من فتاة تفضل أن تكون متعلمة على أن تنجب أطفالًا، كما تقف في وجه تسلط أخيها الذي تشرب تصرفات والده حتى أصبح نسخةً منه ويرى أن أخته العاقة لوالديه لا تجلب للعائلة سوى العار.. وتقرر الهرب من طغيان والدها وأخيها واللجوء الى خالتها و زوجها اللذين سيحتضنانها في بيتهم بين ابنائهم وسيحميانها من بطش ابيها ويعينانها على اكمال دراستها ،لكن اصرار والدها على تزويجها حال دون استسلامه، فنرافق توماييني في رحلتها لمواجهة مخططات والدها ونتعرف في الان ذاته على الثقافة الكينية .فهل ستتمكن توما من النجاة من مخططات ابيها لتزويجها؟ وهل ستستطيع تحقيق حلمها بتغيير نظرة مجتمعها للمرأة؟.

تكشف الرواية عقم التقاليد والآراء التي تسيطر على الكثير من العقول في مجتمعاتنا الأفريقية بشكل عام، ومرارة ما تعانيه لكل النساء اللاتي يعشن نفس الظروف القاسية وتسلب العادات والتقاليد حياتهن. إنها قصة كفاح مستوحاه من خيال الكاتبة ولكنها لم تبتعد كثيرًا عن الواقع في أية حال، فللأسف الواقع الذي تعيشه كثير من النساء حول العالم أشد قسوة ومرارة.

يقول د.محمد يسري محمد المتخصص اللغات السواحيلية بجامعة عين شمس أن رواية “توماييني” هي الرواية الأولى التي أقوم بترجمتها من اللغة السواحيلية إلى العربية للكاتبة النسوية الكينية كلارا موماني.. فالترجمة هي الوسيلة التي يتم من خلالها مد جسور التواصل بين الشعوب والثقافات المختلفة.. واللغة السواحيلية لغة أصيلة في الشرق الإفريقي يتحدث بها كلًا من تنزانيا وكينيا وأوغندا ورواندا وبوروندي (دول منابع النيل) وهذا يعني أنها لغة تحمل أهمية قصوى ولها ثقل في القارة الإفريقية، فهي اللغة الثانية بعد العربية..

ويضيف “الأدب هو مرآة للمجتمعات.. والأدب السواحيلي كغيره من الآداب، فيوجد الكثير من الكتاب السواحيليين الذين كتبوا باللغة السواحيلية أمثال كلارا موماني وشافي آدم شافي وجون هابوى وواميتيلا وسعيد أحمد محمد ورايا تيمامي وكيزيلهابي وغيرهم من عمالقة الأدب السواحيلي الذين قدموا أعمالًا أدبية في جميع فروع الأدب المكتوب من قصة قصيرة ومسرح ورواية وشعر..

ويشير د.محمد يسري إلى أنه “في ظل الظروف الراهنة والتغيرات المتتابعة في القارة الإفريقية كان لِزامًا علينا أن نلتفت إلى الأدب الإفريقي في تجربة جريئة لأقتحام الآخر المجهول – لدى البعض – لنقدم الموضوعات والقضايا التي يتبناها أدباء آخرون تجمعنا بهم صلة قرابة أصيلة وهي إفريقيتنا، فمصر دولة إفريقية في المقام الأول ثم عربية.. لنجد أن هذا الأدب يزخر بالموضوعات التي تمس القارة والتي تتلاقى مع بيئتنا العربية”..

ويرى أن توماييني رواية نسوية تناقش قضايا المرأة من خلال رؤية أستاذة جامعية مثقفة مطلعة تسعى إلى إحداث حالة من “توازن القوى” بين مفاهيم الأنوثة والذكورة.. فتتناول أوجة السلطة الذكورية والأبوية والوصاية الزائفة المفروضة على المرأة الإفريقية نتاج الإرث الثقافي والإجتماعي والعادات والتقاليد التي جعلت المرأة في مرتبة متدنية في الكثير من المجتمعات الإفريقية.. إن توماييني فتاة تسعى إلى التحرر والبحث عن الذات.. نموذج قد يبدو بسيطًا – لكونها فتاة صغيرة – ولكن في مضمونه كسر لكل التابوهات والأبنية الاجتماعية المتصدعة والمتهالكة التي قزمت دور المرأة من خلال سلاسل من القيود المجحفة التي جعلتها تشعر بالدونية وأنها تابع للآخر المذكر..

ويؤكد د.محمد يسري أن الرواية تحاول لمس واقع القرية الإفريقية الكينية التي لا تختلف كثيرًا عن الواقع المصري في الأرياف والقرى.. محاولة جادة في رج أعمدة الذكورة ذات الجذور الضاربة في الكثير من المجتمعات.. شخصيات المرأة في الرواية متنوعة ما بين المرأة المقهورة والمرأة الثورية.. وشخصيات الرجل كانت مثالًا نموذجيًا للسلطة الباطشة.. فتنوعت معهم القصص والموضوعات.. والوصف يميل إلى الطبيعة، ووتيرة الأحداث متزنة، واللغة رصينة تميل إلى التشبية وتقديم التناص بشكل يجعل القارئ يندمج مع العمل دون أن يشعر بحالة من الرتابة والملل، والحوار تم توظيفة ليدفع بالأحداث إلى الأمام، وجاء توظيف الأحلام والأسطورة ليعكسا حالة من نوع خاص..

ميدل إيست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى