أحوال الدنيا

إني اعترف: أغار من مهنية هذا الإعلام

د. فؤاد شربجي

في يوم الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وبسبب تأثيرها على العالم كله انخرطت معظم المحطات التلفزيونية الإخبارية في العالم، بتغطية مجريات هذا اليوم، من التصويت حتى إعلان النتائج. وكان للمحطات العربية الكبرى دور أو حصة من هذه التغطية الكبيرة.

‏وبغض النظر عن الموقف من السياسة الأمريكية، وتركيزا على الجانب المهني، أستطيع أن أقول إن (قناة العربية) السعودية تفوقت في تغطيتها على الأقنية العربية الأخرى، وربما على الأقنية العالمية.

حيث مزجت قناة العربية بين الإبداع الإعلامي في متابعة الخبر، وبين صياغة التقارير، وأسلوبية اللقاءات، وتقصي الحقائق المستجدة، وسباق النتائج المتوالدة.

مزجت كل ذلك مع تكنولوجيا المؤثرات البصرية من تقنيات “الواقع المعزز” إلى “الواقع الافتراضي” إلى الذكاء الاصطناعي إلى امكانيات الغرافيك. واستطاع الذكاء المهني البشري، والإبداع الإعلامي للعاملين، من تحقيق الإبهار والتميز في حضور وتفوق المذيعين والمذيعات والمراسلين والضيوف، وفي الإبداع في تشكيلات الصورة وألوانها، وفي إيقاع الموسيقى ونغماتها، وفي الصياغة اللغوية وتعبيراتها، وفي الانتقالات المدوزنة بين إيقاعات والمنصات.

كما استطاع الفريق العامل في هذه التغطية من جعل كل هذه العناصر مفعمة بالجاذبية والتشويق والتأثير بالمشاهد. فكانت التغطية كلها إبداع وإبهار، ومهارة إعلامية جذابه، وممتعة، ومشوقة، ومتميزة. وبعد كل ذلك أليس من الطبيعي لشخص مثلي قضى عمره في البحث والعمل الإعلامي أن يغار من هذه النتيجة الإعلامية التي تجلي إبداعها في استخدام كل ما هو متاح من مواهب وقدرات بشرية ووسائل تكنولوجية في إنتاج رسالة إعلامية مبهرة بجماليتها، مسيطرة بجاذبيتها وعميقة بتأثيرها.

الإبداع الأهم، كان في توظيف القدرات والمواهب كل في مكانه المنتج والفعال. وهذا عمق آخر يجعلني أعترف لهذه التغطية ولصناعها: إني أغار من إبداعكم ومهنيتكم ونجاحكم. إني أغار أيضا وأولا من قدرتكم على توظيف المواهب والقدرات المهنية في المكان الفعال.

‏يحق لنا أن نختلف مع التوجهات السياسية لهذه القناة التلفزيونية أو تلك. ولكن لا يجوز لنا أبدا أن نتجاهل مهنية هذه المحطة وإبداعها. عندما تكون مبهرة ومبدعة وجذابه، وبالتالي مؤثرة وفاعلة في المشاهد. وربما يقول قائل إننا لا نملك المال الكافي لشراء هذه التقنيات، وتوظيف هذه المواهب. والحل بسيط، حيث أن الإبداع قادر على خلق البدائل للتكنولوجيا ولما يشتري بالمال. المهم اختيار المواهب والكفاءات القادرة على الإبداع وهي من تجد السبل الإبداعية البديلة ومكافئة لخلق الإبهار والتأثير. اما اعتماد الموظفين المدعومين والمخبرين والأقرباء والأتباع المتعصبين فهو إهدار وتضييع للإعلام بغباء وبلادة الأساليب التي لم تخرج من صيغة (نريد اتباع..لا نحتاج الإبداع)! وهي الصيغة التي تعمق حفرة القبر الدافن لكل إبداع إنساني. ولكل تقدم حضاري.

‏بين الإبداع و الإبهار والجاذبية الإعلامية والتأثير العميق من جهة، وبين البلادة والغباء والصراخ والانتهازية الدعائية من جهة أخرى، لابد أن يختار العاقل الإبداع، ومن الطبيعي أن يعلن غيرته كتقدير لإنجاز الآخرين وتقدمهم، وكتحفيز للذات والزملاء… وهنا أتذكر القول الشعبي أن ( من لا يغار. . . ..).

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

زر الذهاب إلى الأعلى