عدنا إلى الحرب التي لم تغادرنا

ذهبت المعارضة السورية إلى جنيف بشروط المنتصرين في حرب لم ينتصر فيها أحد. توهم المعارضون السوريون أنهم عن طريق الاعلاء من سقف مطالبهم التي تتعلق بالوضع الإنساني سيستعيدون شيئا من قاعدتهم الشعبية التي تآكلت.
لقد تمكنت منهم لغة الحرب التي تضاءلت مساهمتهم فيها حتى صارت تقتصر على فصيل واحد، كان إلى وقت قريب يعتبر فصيلا ارهابيا. ومن هنا جاء اختيار القيادي في جيش الاسلام محمد علوش كبيرا للمفوضين.
ما يعرفه النظام عن ضعف الدور الذي تؤديه المعارضة على ارض الواقع تجسد في تدني مستوى التمثيل لدى الوفد الرسمي. فبشار الجعفري الذي عُرف بخطاباته الانشائية المملة والضعيفة لن يقول شيئا ذا قيمة. اضافة إلى أنه لا يصلح أن يكون مفاوضا سبب استخفافه بالآخرين وتشدده الفارغ من المعنى.
اخطات المعارضة حين ظنت أن المجمع الدولي سيستغرق طويلا في الانصات إلى مطالبها ذات الطابع الإنساني، من غير أن تكون قادرة على أن تقدم شيئا ذا طابع عملي، يكون في إمكانه أن يحدث نوعا من التفهم والانفتاح.
ذهبت المعارضة وهي مغلقة على جنيف 1، كما لو أنها لا تريد الاعتراف أن كثيرا من المياه قد مر تحت الجسور. فجنيف 1 كان مؤتمرا للآمال الكبيرة التي لم يتحقق منها شيء. أما كان على المعارضة أن تتواضع وهي تحضر مؤتمرا للآمال الصغيرة في جنيف 3.
كانت الولايات المتحدة واضحة في تهديدها للمعارضة من مغبة عدم اشتراكها في المفاوضات. “إن لم تحضروا فإن استمرار الحرب هو الحل الوحيد الممكن وسيرفع المجتمع الدولي حينها يده.”
الم تفهم المعارضة بكهنة سياستها تلك الرسالة؟
اعتقد أنها فهمتها، غير أنها لم تكن قادرة على أن تضع ذلك الفهم موضع التصريف العملي بسبب عدم قدرتها على اتخاذ قراراتها بطريقة حرة ومستقلة. فالمعارضة لا تملك أن تخالف مصادر تمويلها وإلا ضاعت. ولكن البديل عن ذلك الضياع لن يكون بأقل من ضياع فرصة محققة.
الاتفاق الدولي اليوم يكاد أن يكون مثاليا. وهو ما يمكن أن يذلل الكثير من الصعوبات. ولن يكون من الصواب النظر إلى ذلك الاتفاق بإعتباره مؤامرة على الشعب السوري. ذلك أن المؤامرة كانت قد حققت أهدافها قبل أن يقع الانفاق، وما كان الاتفاق ليقع لولا شعور القوى الدولية بإن تطورات الحرب في سوريا وتداعياتها قد أخذت منحى، لم يعد تغيير النظام كفيلا بتصحيحه.
فعلى سبيل الافتراض أتساءل “ما الذي يمكن أن تفعله المعارضة لو أنها نالت مرادها في الوصول إلى السلطة؟”
لا أعتقد أن جهة ما سيكون في إمكانها أن تتحمل مسؤولية ما ستؤول إليه الامور في حالة افتراضية من ذلك النوع. لا بسبب حجم الدمار الهائل الذي تعرضت له سوريا طوال خمس سنوات من الحرب الضروس، ولا بسبب ما لا يمكن تخيل مساحته من تمزق على مستوى النسيج الاجتماعي، بل لأن الجزء الأكبر من سوريا يرزح تحت احتلال الجماعات والتنظيمات الارهابية.
لم يعد الارهاب مشكلة ثانوية في سوريا، بل أنه حل محل المشكلة الأصلية، فصار السوريون ينزحون من ديارهم اما بسبب الارهاب أو بسبب الحرب عليه.
في بداية الازمة كان النظام يمني نفسه بظهور جماعات مسلحة ليبرر من خلالها لجوءه إلى الحلول الامنية التي لا يملك سواها في حواره مع الشعب. اما الآن فإن حلا للازمة السورية لا يمكن أن يستقيم ما لم يتم التصدي للجماعات الارهابية أولا وقبل كل شيء.
ما أفكر فيه قد لا يرضي مزاج المعارضة ولكن الممكن سورياً سيكون دائما أكثر صعوبة من الحلول الجاهزة التي صار الجزء الاكبر منها ينتمي إلى الماضي.
لم تكن المعارضة في ما جرى في جنيف مؤخرا بحجم التحدي. اما العتب على النظام فهو نوع من السخرية. كانت الحرب خياره الوحيد.
ميدل ايست أونلاين