تتباين الآراء حول الفعل الصائب الذي على المرء القيام به حيال توقّعِ سير الأحداث من حوله؛ فبينما نجد البعض يرون في توقّع الأسوأ منجاةً من الصّدمة والخذلان الذين يتلوان رفع سقف التوقعات إلى ارتفاع غير متناسب مع الموقف أو الحدث الحاصل، نجد على الطرف الآخر بأنّ هناك من يجدون في توقّع الأفضل الراحة والطمأنينة التي يحتاجونها عندما ينظرون إلى أي أمر يعترضهم.
تُرى ما هو الصواب في بناء توقعاتنا؟
أهو افتراض الأسوأ أم الأفضل؟
إنّ في توقّعنا للأسوأ مجال للتفكير أكثر في عواقب الأحداث التي نمرّ بها، إذ نجد أنّ الشخص صاحب نمط التفكير هذا يميل لأن يكون أكثر تمهّلاً في اتّخاذ القرارات وإصدار الأحكام فهو يفكّر بالنتائج السلبية المحتملة التي قد تواجهه في أي ظرف سواء عند ترقّبه لنتيجة ما بعد جهد، أو عند إقبال أحدٍ ما على تقديم عرض إليه، أو حتّى عند الطلب منه أن يتحمّل مسؤولية معيّنة، كل هذه يمكن اعتبارها إيجابيّات توقع الأسوأ، ولكن ماذا عن شخص يستطيع أن يحصي كل الاحتمالات السيئة لكل الأحداث التي تمرّ في حياته؟!
بالتأكيد لن يكون باله وقلبه مرتاحان ومطمئنان بالقدر الكافي، بل سيكون في حالة من القلق والتوتر الدائم إزاء أبسط الأمور وأصغرها، وسيجد نفسه غارقاً على الدوام في بحر من الاسئلة السلبية التي عليه أن يجد لها إجابة رغماً عنه في أحد سراديب دماغه المعتمة.
ماذا عن توقع الأفضل إذاً؟!
إنّ في توقعنا للأفضل تركيزاً على النتائج الإيجابية التي يمكن أن نحققها، وهذا يعطينا دافعاً كبيراً نحو إنجاز أهدافنا، وثقةً بالغة بقدراتنا وطاقاتنا.
ومما لا شك فيه بأن هناك فرق شاسع في كيفية التوجّه ورسم الطريق، بالإضافة إلى كيفية تعقّب الفرص واغتنامها ما بين المرء الذي يستطيع أن يرى نفسه واصلاً إلى المكان الذي يحلم به، وبين الآخر الذي يعجز عن ذلك!
ولكنّ ذلك التفكير الإيجابي له سلبيات أيضاً ولا سيّما إن زاد عن حدّه بالشكل الذي يجعلنا ننغمس بالأحلام ونسعد بها دون أن نرغب باتّخاذ إجراءات فعليّة لتحقيقها، وهذا ما نراه كثيراً عند شباب اليوم المتحمّسين لكن الغارقين في أحلام اليقظة الورديّة.
كما أنّ الكثير من أصحاب هذا النمط من التفكير يقولون بأنهم يقعون في خيبات وصدمات كثيرة، فالواقع ليس بتلك المعادلة وحيدة الحلّ التي من السهل دوماً توقّع نتيجتها الحتمية!
بعد كل هذا القول، لا بد أن نعي بأنّ الوصيّة الأبلغ بهذا الشأن هي التّوازن المنطقيّ بين الأمرين بحيث لا تفاؤل دون عمل، ولا اندفاع دون حذر، والأهم الأهم هو أن نعي بأنّ كل ما نفكّر به ونتطلّع إليه في هذه الحياة هو نحن.
بوابة الشرق الأوسط الجديدة