حجّ دبلوماسي إلى دمشق: قطر تقود «الانفتاح» العربي
بعد أكثر من أسبوعين على إظهار الدول العربية بشكل عام، والسعودية والإمارات على وجه الخصوص، حذراً كبيراً في التعامل مع السلطات السورية الجديدة التي يقودها أحمد الشرع، بدأت تلك الدول الخطو نحو دمشق، تمهيداً لمرحلة انفتاح جديدة بمباركة من قطر، أحد أبرز داعمي الشرع.
وعلى رأس المتقدّمين على ذلك الطريق، الأردن الذي أوفد وزير خارجيته من جهة، والإمارات التي بادر وزير خارجيتها بالاتصال بوزير الخارجية في الحكومة السورية المؤقتة، أسعد الشيباني، علماً أن عمّان وأبو ظبي كانتا لعبتا دوراً كبيراً لإعادة العلاقات السورية – العربية، أواخر حكم الرئيس السابق بشار الأسد، بعد نحو عقد على القطيعة.
وأكّد وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، الذي وصل إلى دمشق والتقى الشرع، دعم بلاده للعملية الانتقالية الجارية حالياً في سوريا، موضحاً أن مباحثاته دارت حول «ضرورة بناء وطن حر لا إرهاب فيه ويحمي حقوق كل السوريين»، بالإضافة إلى ملفّي مكافحة المخدّرات وفتح الباب أمام عودة اللاجئين السوريين في الأردن الذي يستضيف نحو 1.3 مليون لاجئ. وكشف الصفدي أنه اتفق والشرع على تشكيل آليات للعمل معاً لمعالجة الأمور التي تسهم في مساعدة سوريا في «أن تكون آمنة مطمئنة وتتهيّأ الظروف فيها لعودة اللاجئين»، على حد تعبيره.
وتتوافق زيارة الصفدي، الذي لعبت بلاده دوراً بارزاً خلال السنوات الماضية في تشكيل «لجنة اتصال عربية» عقدت اجتماعاً أخيراً في العقبة لمناقشة التطورات في سوريا، حضرته الولايات المتحدة ودول أخرى، مع التوجهات الأميركية المتشجّعة للانفتاح على السلطات السورية الجديدة، المدعومة من تركيا وقطر. وكانت أنقرة أوفدت وزير خارجيتها، حاقان فيدان، إلى دمشق، حيث زار جبل قاسيون ضمن أجواء احتفالية بالنصر على النظام السوري السابق، ليعقب ذلك إرسال الدوحة وزير الدولة في وزارة الخارجية، محمد الخليفي، على رأس وفد إلى دمشق. وفي مؤتمر صحافي عقب لقائه الخليفي، وجّه الشرع رسالة شكر إلى قطر التي قال إنها «وقفت مع الشعب السوري وثورته منذ البداية»، مشيراً إلى أنها أبدت استعدادها للاستثمار في مختلف المجالات داخل سوريا، بما في ذلك الطاقة والموانئ، معلناً أنه وجّه دعوة إلى أمير قطر، تميم بن حمد، لزيارة دمشق.
وتأتي زيارة الوفدين القطري والأردني بعد يوم واحد فقط من زيارة غير معلنة أجراها وفد دبلوماسي وأمني سعودي إلى دمشق، لاستكشاف معالم السلطات الجديدة في البلاد، وسط توقعات بإرسال الرياض وفداً دبلوماسياً كبيراً خلال الأيام المقبلة، لإجراء لقاء موسّع يفتح الباب أمام تعاون كبير، في ظل التحولات السياسية التي تشهدها سوريا بعد سقوط الأسد. ومن شأن ذلك أن يعيد تنشيط عدد من بنود قرارات «لجنة الاتصال العربية»، وعلى رأسها مسألة اللاجئين، وتقديم الدعم لعمليات إعادة الإعمار، عن طريق الصندوق الذي أنشأته الأمم المتحدة في دمشق تحت مسمى «صندوق التعافي المبكر»، والذي حاولت واشنطن إعاقة عمله خلال الفترة الماضية.
وفي هذا الوقت، تشير المعطيات الجديدة إلى إمكانية تحول الولايات المتحدة إلى أحد أبرز الشركاء في العملية الانتقالية، خصوصاً بعد التطمينات العديدة التي قدّمها الشرع للوفود التي تتوافد إلى دمشق حول مستقبل البلاد على الصعيدين السياسي (الحياد)، والاقتصادي (الاقتصاد الحر)، ووعوده بعقد «مؤتمر وطني» يمهّد الطريق لخطوات لاحقة، أبرزها النظر في الدستور وتشكيل حكومة كفاءات (تكنوقراط)، بعد انتهاء فترة الحكومة الانتقالية الحالية مطلع آذار المقبل.
أما على المستوى الشعبي والمعيشي في سوريا، فلا تزال المدن والبلدات السورية تعاني من استمرار حالة الفوضى التي خلّفها سقوط السلطة السابقة، في وقت وعدت فيه «الحكومة المؤقتة» بتسريع وتيرة تجهيز كوادر وزارة الداخلية، بالإضافة إلى حل الفصائل وبدء تشكيل وزارة الدفاع. وبالتوازي مع البطء في عمل وزراتي الداخلية والدفاع، شهدت وزارة الصحة اعتصامات وتظاهرات من قسم من الموظفين الذين طُلب منهم عدم الالتحاق بوظائفهم، وسط مخاوف من طردهم من عملهم. وتأتي هذه التطورات فيما كشفت «الحكومة المؤقتة» أنها تعمل على إعداد عمليات إعادة هيكلة المؤسسات السورية، لتكون جاهزة للعمل في نظام الاقتصاد الحر، وسط تطمينات بأن عملية استبعاد الموظفين لا تعني صرفهم من الخدمة، وإنما هو إجراء تنظيمي مؤقت، ستتبعه إجراءات إضافية، من بينها نقل بعضهم إلى مديريات أخرى، وإحالة آخرين إلى التقاعد، على أن تستمر الحكومة في دفع المرتبات.
صحيفة الأخبار اللبنانية