أليس من الظلم بمكان الحكم المبكر جدًا على السلطة الجديدة في سوريا بعد تخلي المجتمع الدولي عن دعم الشعب السوري في مواجهة نظام بشار الأسد بعد ثورة 15 آذار 2011؟
ماهر عصام المملوك
شهدت سوريا واحدة من أكثر الأحداث دراماتيكية في تاريخها الحديث منذ اندلاع الثورة في 15 آذار 2011. كانت الثورة، التي بدأت كحركة شعبية تطالب بالإصلاح والحرية، نقطة تحول مفصلية في مسار البلاد. ومع تصاعد الأزمة، ظهرت معادلات جديدة على الساحة السورية، تضمنت تدخلات دولية وإقليمية، فضلاً عن صراعات داخلية بين قوى متعددة.
اليوم، بعد أكثر من عقد على اندلاع الثورة، ووسط بروز سلطة جديدة في سوريا، يبقى السؤال مطروحًا: هل يمكن الحكم على هذه السلطة الآن، أم أن الوقت لا يزال مبكرًا لاتخاذ موقف نهائي؟ الإجابة على هذا السؤال تتطلب تحليلًا متعمقًا للجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية، فضلاً عن تقييم دور المجتمع الدولي وتخليه عن دعم الشعب السوري.
1. المشهد السوري: من ثورة إلى صراع متعدد الأبعاد
عندما بدأت الاحتجاجات السلمية في 2011، كانت المطالب بسيطة ومشروعة: إصلاحات سياسية، حرية، وكرامة. ومع ذلك، قوبلت هذه المطالب بقمع شديد من قبل النظام السوري، مما أدى إلى تصعيد الوضع ودخول البلاد في دوامة من العنف. سرعان ما تحولت الثورة إلى صراع متعدد الأطراف، حيث انقسمت القوى إلى فصائل معارضة، جماعات متطرفة، وقوات النظام المدعومة من حلفاء مثل إيران وروسيا.
تفاقمت الأزمة مع التدخل الدولي، حيث دعمت بعض الدول فصائل معينة لتحقيق أجندات خاصة، بينما ظلت دول أخرى مترددة في تقديم دعم حقيقي للشعب السوري. مع مرور الوقت، بدا واضحًا أن المجتمع الدولي لم يكن مستعدًا لتقديم الدعم الكافي لتحقيق تطلعات السوريين.
2. ظهور السلطة الجديدة: الظروف والتحديات
في السنوات الأخيرة، ظهرت سلطة جديدة في سوريا، سواء في المناطق التي خضعت للمعارضة سابقًا أو تلك التي ما زالت تحت سيطرة النظام. هذه السلطة، التي يصفها البعض بأنها مزيج من القوى المحلية والإقليمية، تواجه تحديات هائلة في إعادة بناء دولة دمرتها الحرب.
أ. التحديات السياسية
تفتقر السلطة الجديدة إلى شرعية واضحة في نظر العديد من السوريين. فهي تواجه صعوبة في توحيد الأطراف المختلفة، سواء كانت فصائل المعارضة المسلحة أو المجموعات المدنية. إضافة إلى ذلك، يعتمد نجاحها إلى حد كبير على توازن القوى الإقليمية والدولية، مما يجعلها عرضة للتأثيرات الخارجية.
ب. التحديات الاقتصادية
الاقتصاد السوري يعاني من انهيار شبه كامل. البنية التحتية مدمرة، العملة منهارة، ومستويات البطالة والفقر في أعلى معدلاتها. أي سلطة جديدة تواجه مهمة شبه مستحيلة في إعادة بناء الاقتصاد من الصفر.
ج. التحديات الاجتماعية
تمزق النسيج الاجتماعي السوري بفعل الحرب، حيث انقسمت المجتمعات على أسس طائفية وإثنية وسياسية. بناء الثقة بين السوريين هو أحد أصعب التحديات التي تواجه السلطة الجديدة.
3. المجتمع الدولي وتخليه عن دعم السوريين
أحد أبرز العوامل التي ساهمت في تعقيد الأزمة السورية هو الموقف الدولي. ففي البداية، أظهرت بعض الدول حماسًا لدعم الثورة، ولكن مع مرور الوقت، تراجعت هذه الجهود بشكل كبير.
أ. المصالح الدولية أولاً
تداخلت المصالح الدولية في سوريا، مما أدى إلى تجميد الموقف الدولي. فبينما دعمت بعض الدول قوى المعارضة، ركزت دول أخرى على محاربة الإرهاب أو تأمين مصالحها الجيوسياسية، مثل روسيا التي استثمرت في دعم النظام لضمان نفوذها في المنطقة.
ب. غياب خطة شاملة
لم تكن هناك خطة شاملة ومتكاملة من قبل المجتمع الدولي لدعم الانتقال السياسي في سوريا. حتى الجهود المبذولة عبر الأمم المتحدة، مثل محادثات جنيف وأستانا، لم تحقق تقدمًا يُذكر بسبب غياب إرادة دولية حقيقية.
ج. نتائج التخلي الدولي
هذا التخلي أدى إلى تفاقم معاناة السوريين. ملايين النازحين واللاجئين يواجهون ظروفًا إنسانية صعبة، في حين أن النظام استفاد من هذا التراجع الدولي لتعزيز سيطرته على الأرض.
4. هل الحكم على السلطة الجديدة ممكن الآن؟
الحكم على أي سلطة جديدة يتطلب وقتًا وتقييمًا دقيقًا لممارساتها وإنجازاتها. في حالة سوريا، هناك عدة عوامل يجب أخذها في الاعتبار:
أ. الوقت عامل أساسي
السلطة الجديدة تواجه تحديات هائلة، ومن الظلم الحكم عليها في هذه المرحلة المبكرة. تحتاج إلى وقت لتحديد سياساتها وتطبيق برامجها على أرض الواقع.
ب. دور الشعب السوري
الشعب السوري هو الوحيد الذي يمكنه تقييم هذه السلطة بشكل موضوعي. يجب أن تكون هناك عملية سياسية شفافة تتيح للسوريين المشاركة في صنع القرار وتحديد مستقبل بلادهم.
ج. المساءلة الدولية
حتى في حال وجود سلطة جديدة، لا يمكن تجاهل المسؤوليات الدولية. المجتمع الدولي مطالب بدعم إعادة الإعمار والمصالحة، ولكن دون فرض أجندات على الشعب السوري.
5. السيناريوهات المحتملة
من السابق لأوانه التنبؤ بمستقبل السلطة الجديدة في سوريا، ولكن يمكن تصور عدة سيناريوهات:
- نجاح تدريجي: إذا تمكنت السلطة من بناء الثقة وإعادة الإعمار، قد تكون قادرة على تحقيق استقرار نسبي.
- فشل شامل: إذا استمرت الانقسامات الداخلية وتدخلات القوى الخارجية، قد تنهار هذه السلطة وتعود الفوضى.
- استمرار الوضع الراهن: قد تظل سوريا في حالة من الجمود، مع استمرار الأزمات الإنسانية والاقتصادية.
في النهاية، الحكم على السلطة الجديدة في سوريا يتطلب نظرة طويلة الأمد. التحديات كبيرة، والظروف معقدة، ولكن الأمل لا يزال قائمًا في أن يتمكن الشعب السوري من بناء مستقبل أفضل. ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن تخلي المجتمع الدولي عن دعم السوريين في مواجهة النظام كان له تأثير مدمر على فرص تحقيق تطلعات الثورة.
ربما يكون الوقت مبكرًا للحكم على السلطة الجديدة، ولكن من المؤكد أن نجاحها يعتمد على قدرتها على تحقيق العدالة والمصالحة، وعلى موقف المجتمع الدولي الذي يجب أن يتحمل مسؤوليته في دعم الشعب السوري بدلاً من تجاهله.
بوابة الشرق الأوسط الجديدة