من الطبيعي أن نشعر بالسعادة لعودة كل المعارضين الذين غادروا سورية إثر اندلاع الحرب على السوريين، ومن الطبيعي أن نتوقع حراكاً سياسياً يعيدُ الحيوية للسياسة والفن والأدب والمسرح والسينما والتلفزيون، ومن الطبيعي أيضا أن نبادر إلى استقبالهم والإنصات إلى آرائهم وأفكارهم وطموحاتهم رغم أننا نعرفها، لكن هناك شيء غير طبيعي أنهم لايريدون سماعنا، ولايريدون فهم معاناتنا !
هلل السوريون للعائدين، بأشكال متفرقة، واشتعلت صفحات التواصل بصورهم بدءا من اللقطات الأولى في الطائرة ووصولا إلى بوابات العبور البري والجوي، وأنا كنت سعيدا بعودتهم كما شعور الكثيرين من أبناء الشعب السوري.
وعلى نحو متوقع تأنق بعضهم في إلقاء الخطابات النارية، ولجأ بعضهم إلى وضع شروط سياسية لبناء سورية الجديدة، وشعرت أننا سنصل إلى الحدائق العامة لنسمع الخطابات، ثم فجأة ركب كل منهم حماره وغادر، وترك الشعب السوري للمطحنة القادمة.
ليس هذا فحسب، بل لجأ بعض العائدين إلى توزيع شهادات للناس، وكأن السوريين الذين ظلوا في سورية هم تركة بشار الأسد ويحتاجون إلى تطهير، وكأن الشعب السوري الذي قضى أيامه في الخوف والسعي والدعاء بالخلاص متهم .
والمصيبة أن المشهد الذي يمكن التعليق عليه، هو أن هؤلاء البعض لم يتعرضوا لأي مضايقات تذكر، بل عاشوا برفاهية خارج بلادهم، وكان بعضهم يرسل إلى أهله مساعدات أو حوالات، أي أن وضعهم هو عال العال.
عدد قليل من العائدين ، أو ممن لم يصلوا بعد ، استعادوا صور الشهداء، استعادوا الأسماء التي كانت وقود الأحداث الكبرى مع بداية الحرب، ولم يلتفت أحد إلى ذويهم أو حتى يقدم باقة ورد لقبور مزروعة في الأرض السورية في شتى الاتجاهات..
لأول مرة أشعر بالخوف من المستقبل ، ليس لأنني يائس، أو أن لي رؤية محددة لطبيعة المسارات القادمة، بل لأن الأدوات التي ينبغي الرهان عليها وعلى أدائها في المرحلة القادمة مصابة بوهم صناعة النصر، والنصر لم يصنع بعد، النصر هو ببناء دولة وعلاقات تتجاوز الماضي نحو الأفضل.
انتبهوا..
لم ينتصر أحد بعد، والخسائر التي دفعها الشعب السوري منذ وصول البعث للسلطة أكبر بكثير من زيارة الشام والتجول السياحي في حاراتها، وأكبر بكثير من تصريحات لاتمت إلى الواقع بصلة.
شكرا لكم على كل حال، رغم أن أحدا منكم لم يقم بزيارة بيت منكوب، أو أم لم تجد أبناءها في بقايا السجون ، سجين نجا من المحرقة .. لم ينتبه أحد منكم إلى أن ملايين من الناس جائعة وكثيرين يرتدون آخر الملابس الجميلة لديهم ويتسولون في الطرقات .
شكرا لكم .. على هجرتكم وعلى زياراتكم السريعة ..
يبدو أننا نحنا الذين اشتقنا لكم، ولكنكم لم تشتاقوا لنا ..
ينبغي أن تعرفوا أن بشار الأسد سقط، وسقط نظام الطغمة ، لكن لستم أنتم من أسقطه، أسقطته التضحيات والصمود والأمل، ولذلك من الصعب تصور إمكانية نجاح هذا النمط من الإسهام في بناء وطن فقد مئات الآلاف من الشهداء، ولم يفكر أحد بإقامة شعلة لهم في ساحة الأمويين التي تعب السيف الدمشقي من الصور التي التقطت له وللعائدين للسياحة في بلادهم .
والملاحظ أيضا أن بعض الصحفيين أجروا مقابلات مع معارضين سابقين، ولم يسأل أحدا من الشعب السوري كيف يرى المستقبل !
ياحيف !
بوابة الشرق الأوسط الجديدة