قبل سقوط نظام بشار الأسد بنحو شهرين تقدمتُ إلى مكتب وزيرة الثقافة بطلب باسم خمسة كتاب معروفين، وهم :
الكاتب المسرحي محمد الحفري (35 جائزة محلية وعربية).
الكاتب الروائي محمد الطاهر (جائزة حنا مينة وجائزة القدس).
الشاعر نضال بغدادي .
الكاتبة فاتن ديركي .
والروائي المغترب مقبل الميلع، وأنا العبد الفقير لله .
ومضمون الطلب أن نلتقي مع الوزيرة لأننا بصدد إقامة احتفال كبير تحت عنوان (الوردة تتفتح، الثقافة سلاحنا)، وكالعادة تمت المراوغة، فليس من عادة الوزراء اللقاء مع الكتاب نظرا لضيق وقتهم، وحجة مديرة المكتب كانت أن الوزارة مشغولة بالإعداد لأيام الثقافة السورية التي تقام كل عام.
ضحكتُ، وحكيتُ لأصدقائي الكتاب عما سيحصل، أخبرتُهم أن اجتماعات متتالية ستعقد، وستصرف مئات الملايين، وسيأتي المسؤولون عن الأنشطة والصروح الثقافية بمشاريع مكررة تنتهي بإقامة احتفال باهت في دار الأوبرا ومؤتمر صحفي وبعض المسرحيات المتهالكة ، وكأننا نعيد اقتراحات السنوات السابقة التي لاتساوي شيئا في عرف الثقافة.
المهم أننا أقمنا احتفاليتنا بنجاح من دون أي تواجد من الوزارة، وكانت المكتبة الوطنية تغص بالحضور، ولم نبال في رفض الاجتماع الوزيرة الذي لم تكلف السيدة مديرة مكتبها حتى بالاعتذار منا .
بسيطة ، مضت أسابيع وسقط النظام، ولأن وزارة الثقافة العتيدة ليس لها أي علاقة بالثقافة وبآليات العمل من أجلها، اللهم إلا بالمظاهر، توقفت عن أي نشاط، في وقت انتشر فيه الحراك الثقافي والسياسي في المقاهي والمنتديات ، أما هي كمؤسسة تصرف الملايين على موظفيها، فقد وقفت مدهوشة، وقد أصابها الخوف، مدهوشة لسببين :
الأول أنها عاجزة عن التعبير ثقافيا عما حصل، فقد كانت الثقافة ممسوكة، كفرس شموس يخافون منه، والثاني أن إحساس المسؤولين عن الثقافة هو (الطاعة) أي انتظار ما سيرد من فوق لينفذونه ، وإلا لماذا أغلقت المراكز الثقافية ؟ لماذا توقف المسرح ؟ لماذا توقفت السينما ، لماذا اضطرت دار الأوبرا للالتفاف على الجمود بنشاط مرتبك يريد أن يقول نحن هنا ؟
القصة أن وزارة الثقافة عاجزة، وكما قال أحد أساتذة جامعة دمشق في ندوة اتحاد الكتاب العرب لايريدون في وزارة الثقافة عكس هوية الشعب السوري، يريدون عكس هوية النظام، وهذا يعني أنهم لايعرفون طبيعة هوية الشعب بعد سقوط نظام بشار الأسد .
وقبل أسبوع انتشر خبر عن اعتماد السيدة الوزيرة في منصبها، ثم تم النفي، وطبعا نحن لسنا ضد أي مسؤول يقوم بإدارة هذه المؤسسة وصروحها، ولكن نريد التأكيد على أن الثورة السورية بهويتها التي تم الإعلان عنها بعد السقوط هي هوية منفتحة على الآخر، وأن الموانع لاتعدو كونها تقاليد مجتمع لاتستطيع تكبيل الثقافة وكبح جماحها كفرس أصيل .
أحمد الله على أن مديرة المكتب لم توافق على اللقاء، وأحمد الله على أن وجهة نظري وتوقعاتي كانت صحيحة فيما يتعلق بأيام الثقافة، ولكن لي طلب من السيدة الوزيرة قبل أن تغادر مكتبها، ومن مديرة مكتبها أيضا، وهو أن تكشف لنا حجم التكاليف التي صرفت على الأيام الثلاثة للثقافة ، ومقارنتها مع حجم التكاليف التي صرفت على الثقافة كلها طيلة العام، تعويض المحاضر لأي باحث ثلاثة آلاف ليرة!!) .
والله صار ينبغي أن نصرخ كما صرخ الشعب السوري عندما قرر الصراخ وقام بثورته، ونعمل من أجل المستقبل الأنظف!