مذاهب أهل مصر وعقائدهم.. إلى أن انتشر مذهب الأشعرية

هذا الكتاب “مذاهب أهل مصر وعقائدهم.. إلى أن انتشر مذهب الأشعرية” للمقريزي الذي حققه وأعده للنشر د. أيمن سيد فؤاد، يمثل باكورة إنتاج مركز تحقيق النصوص بجامعة الأزهر، الذي نبتت فكرته في ذهن فضيلة الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر د. أحمد الطيب عام 2007 وهو مازال رئيسا لجامعة الأزهر تطبيقا لما جاء في قانون إصلاح الأزهر رقم 103 لسنة 1961 من أن الأزهر هو الهيئة العلمية الكبرى التي تقوم على حفظ التراث الإسلامي ودراسته وتجليته ونشره.

ويتناول المقريزي في موضوعين مهمين، الأول “ذكر مذاهب أهل مصر ونحلهم منذ فتح عمرو بن العاص، رضى الله عنه أرض مصر الى ان صاروا على اعتقاد مذاهب الأئمة الأربعة الراحلين، وما كان من الأحداث فى ذلك”، والثانى ”ذكر الحال في عقائد أهل الأسلام منذ ابتداء الملة الاسلامية إلى أن انتشر مذهب الأشعرية” مع مدخل تناول فيه “ذكر فرق الخليقة واختلاف عقائدها وتبانيها”.

وقد أشار المحقق في مقدمته للكتاب الصادر عن الدار المصرية اللبنانية إلى أن المقريزي أوضح في الموضوع الأول سبب اختلاف الأمة منذ وفاة النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن استقر العمل على مذاهب مالك والشافعي وأبي حنيفة وأحمد بن حنبل، “حتى لم يبق في مجموع أمصار الإسلام مذهب يعرف من مذاهب أهل الإسلام سوى هذه المذاهب الأربعة”.

أما الموضوع الثاني فقد تناول فيه اختلاف عقائد أهل الإسلام من كان، إلى أن التزم الناس (في الأراضي الواقعة غربي خراسان) عقيدة أبي الحسن الأشعري، وقدم له بدراسة مهمة عن فرق الخليقة واختلاف عقائدها وتباينها، وأوضح فيها أن فرق المسلمين خمس: أهل السنة والمرجئة والمعتزلة والشيعة والخوارج.

واستعرض آراء هذه الفرق الكلامية حتى وصل إلى ترك أبي الحسن الأشعري لمذهب الاعتزال واختلافه مع مذهبهم، ثم ظهور أهل مدرسته الذين نسب إليهم المذهب الأشعري، وكانوا وراء تطويره وانتشاره، مع تبني القوى السياسية السنية الجديدة ممثلة في السلاجقة والنوريين وخلفائهم الأيوبيين للمذهب وإذاعته والذي كان السبب في اشتهاره وانتشاره في أمصار الإسلام الناطقة بالعربية، حيث ساد المذهب الماتريدي، ويقال لأتباعه الماتريدية أقطار الإسلام غير الناطقة بالعربية في آسيا الوسطى وما وراء النهر والهند.

ولفت المحقق إلى أنه “لما كان الدين يخاطب العامة والخاصة لزم منهج وسط يجمع بين الطريقتين، كان الذي تولى هذا المنهج أبو الحسن الأشعري، فتوسط بين الطرق ونفى التشبيه وأثبت الصفات المعنوية القائمة بذات الله تعالى من العلم والقدرة والإرادة والحياة التي يتم بها دليل التمانع وتصح المعجزات للأنبياء، وقصر التنزيه على ما قصره عليه السلف، حتى نستطيع القول إن الإمام أبا الحسن الأشعري كان هو المجدد الذي بعثه الله على رأس المئة الرابعة ليجدد للأمة أمر دينها”.

التحول الرئيسي إلى السنة في مصر لم يبدأ طبقا للمقريزي إلا مع تولي صلاح الدين بن يوسف بن أيوب الوزارة للإمام العاضد آخر الأئمة الفاطميين في مصر سنة 564 هـ/ 1169 خلفا لعمه أسد الدين شيركوه الذي توفى في نفس العام، وأضاف المقريزي “فشرع في تغيير الدولة وإزالتها وحجر على العاضد، وأوقع بأمراء الدولة وعساكرها وأنشأ بمدينة مصر مدرسة للفقهاء الشافعية ومدرسة للفقهاء المالكية، وصرف قضاة مصر الشيعة كلهم، وفوض القضاء لصدر الدين عبدالملك بن درباس الماراني الشافعي، فلم يستنب عنه في إقليم مصر إلا من كان شافعي المذهب. فتظاهر الناس من حينئذ بمذهبي مالك والشافعي، واختفى مذهب الشيعة والاسماعيلية والامامية حتى فقط من أرض مصر”.

وأوضح المقريزي “وأما العقائد فإن السلطان صلاح الدين حمل الكافة على عقيدة أبي الحسن على بن إسماعيل الأشعري، تلميذ أبي علي الجبائي، وشرط في أوقافه التي بديار مصر كالمدرسة الناصرية بجوار قبر الإمام الشافعي من القرافة، والمدرسة الناصرية التي عرفت بالشريفية بجوار جامع عمرو بن العاص، والمدرسة المعروفة بالقمحية بمصر، وخانكاه سعيد السعداء بالقاهرة.

استمر الحال على عقيدة الأشعري بديار مصر والشام وأرض الحجاز واليمن وبلاد المغرب أيضا لإدخال محمد بن تومرت رأي الأشعري إليها، حتى إنه صار هذا الاعتقاد بسائر البلاد، بحيث إن من خالفه ضرب عنقه، والأمر على ذلك إلى اليوم، ولم يكن في الدولة الأيوبية بمصر كثير ذكر لمذهب أبي حنيفة وأحمد بن حنبل، ثم اشتهر مذهب أبي حنيفة وأحمد بن حنبل في آخرها. فلما كانت سلطنة الملك الظاهر بيبرس البندقداري ولي بمصر والقاهرة أربعة وهم شافعي ومالكي وحنفي وحنبلي. فاستمر ذلك من سنة خمس وستين وست مئة سوى هذا المذاهب الأربعة وعقيدة الأشعري”.

وقال المحقق إنه منذ هذا التاريخ وحتى القرن الثامن الهجري / الرابع عشر الميلادي كان تدريس المذهب الأشعري هو التعليم العام السني في أقاليم العالم الإسلامي الناطقة بالعربية، ولم يكن رد الفعل الحنبلي الذي مثله بن تيمية إلا تأثيرا محدودا، وظل الوضع إلى وقتنا الحالي فيما عدا استثناءات ضئيلة يمثلها المذهب الوهابي في شرقي جزيرة العرب الذي تأثر بالمذهب الحنبلي واستفاد من مؤلفات رؤسائه المتأخرين وعلى الأخص ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية.

ولا شك أن الصراع بين أهل الحديث والحنابلة من جانب والمذهب الأشعريي كما يمثله رؤساء المذهب في القرنين الخامس والسادس للهجرة / الحادي عشر والثاني عشر للميلاد وما صاحبه من إدانة فكرية وعقدية، وعلى الأخص مع ابن تيمية بعد ذلك في القرن الثامن الهجري / الرابع الميلادي يمثل تراجعا حضاريا ودينيا عرفته البلاد الإسلامية بعد ذلك.

ميدل ايست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى