
لم يكن التصعيد الصهيوني بشأن الجنوب السوري غريباً على القادة الصهاينة؛ وعلى رأسهم “بنيامين نتنياهو”، إلاّ أنّ التصريح الأخير كان الأكثر وقاحة من قبل رئيس وزراء العدو الصهيوني، ولا سيّما أن هذا التصريح يشكل اعتداءً صريحاً على الدولة السورية؛ ومحاولةً للتدخل في شؤونها الداخلية. فضلاً عن كونها محاولة للنيل من طائفة سورية؛ عرفت بثباتها على المبادئ، واشتهرت بعمق انتمائها، وتمسكها بهويتها الوطنية عبر التاريخ. إلاّ أنّ “نتنياهو”؛ بما عُرف عنه من اعتداءٍ سافرٍ وصلفٍ أراد مجدّداً الدفع بمخطط تقسيم سورية إلى الواجهة؛ من خلال دعوته لإفراغ الجنوب السوري من أي تواجد عسكري، فاتحاً الباب على مصرعيه أمام الرغبة الإسرائيلية في توغّل جديد في عمق الجنوب السوري؛ بحجة حماية الدروز، وعدم السماح بتهديدهم. وتأتي تصريحات “نتنياهو” هذه بعد الزيارة التي قام بها الصحفي الصهيوني “إيتاي أنغيل”؛ إلى عدة مناطق في الجنوب والشمال السوري. وسواء أكان هذا الصحفي الصهيوني يحمل الجنسية الأمريكية؛ إلى جانب جنسيته الإسرائيلية، أو لم يكن كذلك، إلاّ أنّ ظهوره في أحد المقاهي، وسط العاصمة السورية، أثار موجةَ غضبٍ كبيرةٍ عند الجمهور السوري، الرافض لكل أنواع العلاقة مع الصهاينة، سواء أكانت علاقاتٍ سياسيةً أو ديبلوماسيةً أو زيارات. والواضح أنّ ما قام به الصحفي الصهيوني كان الهدف الأساسي منه محاولة ترسيخ فكرة التقسيم في سورية، وهو ما يظهر بوضوح من خلال المناطق التي قام بزيارتها في الجنوب والشمال السوري، من أجل إعداد فيلمٍ توثيقي عن سوريا بعد سقوط الأسد، والذي سيتمّ عرضه قريباً على القناة الـ 12 الإسرائيلية.
ويأتي هذا الاستفزاز الصهيوني للجمهور السوري، بعد اجتياح الاحتلال الصهيوني لعدد من القرى السورية في جنوب البلاد، وبعد تأكيد صحيفة ” هآرتس” الصهيونية أن قوات الاحتلال أنشأت سبع قواعد عسكرية صهيونية داخل الأراضي السورية، وإظهار الأقمار الصناعية طريقاً جديداً يقع على بعد حوالي عشرة أميال جنوب القنيطرة، ويمتدُّ من خط الحدود إلى قمة تل بالقرب من قرية “كودنة”؛ الأمر الذي من شأنه توفير نقاط مراقبةٍ وتجسّسٍ جديدةٍ للاحتلال الصهيوني، داخل الأراضي السورية، بعد قيام رئيس وزراء الاحتلال الصهيوني بزيارة إلى جبل الشيخ، برفقة وزير الحرب “كاتس”؛ وتأكيده أن قوات الاحتلال “ستبقى في هذا المكان المهمّ إلى أن يجري التوصل إلى ترتيب؛ يضمن أمن الكيان” وفق ما أكدته صحيفة “يديعوت أحرونوت” الصهيونية. ومع أن المصادر الأمنية الصهيونية تؤكّد عدم وجود نية لكيان الاحتلال للغرق في سورية، إلاّ أنّها تؤكّد رغبتها في الدخول والخروج من المنطقة العازلة؛ التي تبلغ مساحتها 90 ميلاً مربعاً، والتي تريدها منطقة منزوعة السلاح وفق الرغبة الصهيونية، وهي رغبة تتماهى مع بعض ما طرحه القادة الصهاينة بخصوص تقسيم سوريا إلى “كانتونات”، لضمان حقوق جميع المجموعات الإثنية في سورية؛ وفق ما طرحه الوزير الصهيوني “كوهين”؛ الراغب بعقد مؤتمر دولي بشأن سورية، يضمن الرغبة الصهيونية في تحقيق ما يريده المحتل من سوريا. لا بل إن صحيفة “يديعوت أحرونوت” كشفت عن صياغة الكيان لمفهوم عملياتي جديد، في مواجهة التطورات الجديدة في سوريا بعد سقوط الأسد، وإن الخطة ترتكز على “منطقة حيازة” للجيش الصهيوني على بعد خمسة عشر كيلو متراً داخل الأراضي السورية، ومنطقة نفوذ مع سيطرة استخباراتية بعمق ستين كيلو متراً، ودعت الصحيفة إلى مواجهة ما أسمته “العمى” من جانب الغرب في العلاقة مع حكام سوريا الجدد، منتقدة ما أسمته رحلات الحج من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا إلى سوريا بعد سقوط الأسد، وهو ما يعني أن الحكومة الصهيونية تريد استغلال ما يجري في سوريا؛ وانشغال معظم القوى السورية بعملية الانتقال الجارية، والبدء بمؤتمر الحوار الوطني، وتشكيل الحكومة السورية الجديدة، إلاّ أنّ هذا لا يعني على الإطلاق رفض واستنكار ما يقوم به المحتل الصهيوني داخل الأراضي السورية، وعدم القبول بشرعنة السلوك الصهيوني، والعمل على تكثيف الجهود الديبلوماسية العربية والإقليمية والدولية؛ من خلال إدانة الاعتداءات الصهيونية؛ والدعوة إلى احترام السيادة السورية، وفق قرارات الأمم المتحدة.
إن ما يقوم به الكيان الصهيوني من شأنه أن يضعف الدولة السورية الجديدة؛ ويهدد مستقبلها وسيادتها، كما أنّ من شأن هذا السلوك العدواني الصهيوني، أن يحدث شرخاً في العلاقة بين الجمهور السوري وقادته الجدد، وهو شرخ يحاول المحتل الصهيوني الاستفادة منه في تحقيق مزيد من الإنجازات العدوانية والتوسعية، وقضم مزيد من الأراضي السورية؛ والسيطرة على ثرواتها ومياهها، لا سيما بعد إعلان “غيرشون هاكوهين” القائد السابق للقيادة الشمالية في الجيش الصهيوني: أن هضبة الجولان “مسألة حياة أو موت بالنسبة لإسرائيل، وأنها جزء لا يتجزأ من الدولة”.
بقي أن نشير أخيراً إلى أن تركيا سبق وأن أطلقت تحذيرات من التوسع الصهيوني في سورية قبل سقوط الأسد، كما أن الرئيس التركي حذّر من التحرك الصهيوني نحو دمشق، مؤكّداً أن سيطرة الكيان على العاصمة دمشق من شأنه أن يؤدي إلى تغيير كبير في الخارطة “الجيوساسية”؛ لأنها قد تمتد إلى الشمال السوري، وتهدد الحدود الجنوبية لتركيا، ولعلّ هذا ما يفسر وقف الاستباحة الصهيونية للريف الغربي لدمشق، والاقتصار على الأماكن التي تم دخولها، أو التمركز فيها داخل مدينة القنيطرة وخارجها، بعد السيطرة على أعلى قمة في سوريا؛ وهي قمة جبل الشيخ (2814م فوق البحر)؛ وهو واحد من أكثر المكاسب ديمومة للاحتلال، إذ إن هذا المكان هو الأعلى في المنطقة، ويطلّ على لبنان وسوريا وفلسطين المحتلة، وهو أمر مهم للغاية؛ وفق ما نقلته شبكة CNN عن مدير معهد القدس للاستراتيجية والأمن “إفرايم إنبار”.
إن وعي القيادة السورية الجديدة ممثلة بالرئيس أحمد الشرع؛ وصدق انتمائه وحرصه على وحدة الأراضي السورية، واستعادة ما احتل منها هو الضمانة الوحيدة لإفشال المشاريع الصهيونية؛ الرامية إلى تقسيم سوريا واستباحة أراضيها وجعلها ساحة للعربدة الصهيونية، لا سيَّما بعد توجيه رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” تحذيرات للإدارة الجديدة في سوريا، ومطالبته في خطاب ألقاه أمام دفعة جديدة من الضباط في “حولون” جنوب “تل أبيب” بجعل جنوب سوريا “منزوع السلاح بالكامل”، مؤكدا أن “تل أبيب “لن تسمح لقوات الإدارة الجديدة بالانتشار جنوب العاصمة دمشق، وإعلانه أنه لن يسمح لقوات تنظيم هيئة تحرير الشام، أو الجيش السوري الجديد، بدخول المنطقة جنوب دمشق”، ومطالبته بالنزع التام للسلاح من جنوب سوريا، في محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء”، وتقديم نفسه كمدافع عن حقوق الطائفة الدرزية؛ المعروفة تاريخياً بمواقفها الوطنية، ورفضها للاحتلال الصهيوني للأراضي السورية أو الرغبة في تقسيمها.
بوابة الشرق الأوسط الجديدة