
في الأسبوع الماضي خرج الإعلامي اللبناني طوني خليفة على قناة المشهد مفتتحا برنامجه السياسي باعتراف: (في آخر لحظة ألغيت المقدمة التي كتبتها في ثلاث صفحات لأفتتح بها هذه الحلقة. وأوضح خليفة بتعبير خائب أنه خشي من إساءة فهمه من قبل الجمهور. وخاف من سوء تفسير الأطراف اللبنانية لما تضمنته المقدمة من طرح ورأي. خاصة وأنه تناول في مقدمته هذه أسباب ومعاني ما يجري في بيروت، من قطع للطرقات، وتعطيل الوصول إلى المطار، بسبب عدم الأذن للطائرة الإيرانية بالقدوم إلى لبنان. ورغم أنه سرد في المقدمة الملغاة، حقائق وتطورات الأحداث التي أوصلت لبنان إلى هذا الانقسام الطائفي المهدد بالانفجار مجددا ، ورغم موضوعية ما كتبه في هذه المقدمة، إلا أنه أحس أن كل طرف سيجده معاديا. حزب الله سيعتبره مؤيدا لمطالب إسرائيل وأمريكا، والأطراف المقابلة ستعتبره سكت عن حزب الله بعدم مهاجمته. وسيلقى كالعادة الهجوم من الطرفين وسيتلقى الشيطنة والاتهامات فقط لأنه يوضح أن هذا الصراع الطائفي سيحرق البلد من جديد. وبسبب خوفه وتحسبه من الوقوع فريسة هذه الاتهامات من كل طرف ألغى المقدمة وأكتفى بالخيبة لعدم قدرته على ممارسة دوره الإعلامي الوطني بشكل كامل، وواضح، وقوي. اكتفى بالخيبة!
خيبة طوني خليفة واضطراره إلى حذف وإلغاء مقدمته بما فيها من موضوعية وحقائق، كما شرح، لا تخص لبنان وحده. بل هي تطال حتما وحكما وواقعا معظم الدول العربية المسكوت فيها عن إلغاء الكثير من الحقائق عن الإعلام. وهكذا فإن الإعلام العربي يعيش خيبات واضحة او مستترة بسبب قمع السلطات أو تشددها فقط بسبب ما أنتجته من عصبيات مجتمعية طائفية أو عرقية أو سياسية أو أو أو ألخ. والمصيبة أن هذه العصبيات باتت مسلحة بجيوش إلكترونية تغرق الحقيقة بالأخبار الكاذبة وبالمواقف المتعصبة المتشددة، وبالتضليل المفتري، وبالتحريض المنتقم. وصارت مهمة الإعلامي متوقفة على البيئة المناسبة لممارسة دوره ووظيفته. وصار الإعلام بحاجة إلى حماية دستورية قانونية تكمل توفير البيئة الصحية اللازمة من الحريات، كي يكون مسؤولا في أداء دوره، سواء بإعلام الناس بحقائق ما يجري، أو تثقيفهم وطنيا في سياق يفضي إلى وحدتهم وقوتهم وارتقائهم وإمتاعهم عبر صياغة وأساليب وفنون الإعلام الحديثة.
الإعلام اليوم لم يعد شاعر المدح في بلاط السلطان، كما لم يعد الهجاء المعارض للسلطة بل صار عامل بناء للضمير الوطني الحضاري، وطاقة إعادة وتجدد للعمران، وشحنة استمرار للرقي الحضاري. الإعلام اليوم أحد عناصر قوة أي مجتمع، أو دولة، ودفعه إلى الخيبة او الانكفاء جريمة ضد الإنسانية والحضارة، وسرقة لحاجة أساسية من حاجات الإنسان المعاصر.
بوابة الشرق الأوسط الجديدة