تحليلات سياسيةسلايد

ما هو القاسم المشترك بين جرينلاند وكندا وأوكرانيا وغزة وبنما لدى ترامب؟ المعادن النفيسة والثروات الطبيعية!

خير الدين الجابري

ما العامل الجامع بين مشاريع وأفكار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الجنونية التي نادها بها من قبل ومن بعد وصوله للبيت الأبيض للمرة الثانية والتي تتسم بالهيمنة والتوسعية؟ ضم كندا إلى الولايات المتحدة واعتبارها ولاية أمريكية، والاستيلاء على جرينلاند، والاستيلاء كذلك على قناة بنما، والسيطرة على الموارد الطبيعية في أوكرانيا مقابل تسليحها٬ وحتى فكرة تهجير الفلسطينيين من غزة وإعادة بنائها والاستثمار بها؟

 

في خضم العاصفة التي شهدها الشهر الأول من عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المكتب البيضاوي، سارع المحللون والمسؤولون والدبلوماسيون إلى فهم هواجس الزعيم الشعبوي المتفرقة والغريبة في كثير من الأحيان في السياسة الخارجية. فما الذي يجمع حقاً بين كل هذه المناطق لدى ترامب؟

قد تكون إحدى الإجابات هي احتفاظ هذه المناطق بمعادن نادرة وكذلك موارد طبيعية “غير مستغلة” بعد، فترامب رجل المال والأعمال يبحث عن إمكانية الوصول إلى سلاسل التوريد للمعادن الأساسية بعيداً عن الصين، وهي الموارد التي تدعم كل شيء في الصناعات من أنظمة الأسلحة المتقدمة إلى تقنيات الطاقة الخضراء وصناعات السيارات والأجهزة الذكية وغيرها.

وتعد أوتاوا الكندية مركزاً للتعدين، بينما تفتخر جرينلاند باحتياطيات من المعادن النادرة على الرغم من أن عملية تطويرها قصة أخرى. كما قام الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أيضاً بتضخيم إمكانات بلاده من المعادن النادرة، على الرغم من أن أوكرانيا ربما ليس لديها رواسب تجارية من المعادن النادرة، فيما تعد كمية الغاز الموجودة قبالة سواحل غزة مهولة وغير مستغلة بعد، وربما يطمع ترامب في استغلالها.

لماذا تمثل المعادن والموارد الطبيعية عاملاً مشتركاً في مشاريع ترامب التوسعية؟

تقول مجلة فورين بوليسي الأمريكية، قد لا تبدو المعادن الحيوية أولوية واضحة للسياسة الخارجية الأمريكية، ولكنها أكثر أهمية مما قد يتصور في عهد ترامب في إطار المنافسة مع الصين. وتشمل هذه المجموعة الواسعة خمسين مادة خام تشكل اللبنات الأساسية لقطاعي الدفاع والطاقة في الولايات المتحدة، بما في ذلك الليثيوم والكوبالت والغاليوم والجرمانيوم والنيكل والعناصر الأرضية النادرة.

من بين جميع المعادن المهمة، فإن العناصر الأرضية النادرة – وهي مجموعة من 17 عنصراً معدنياً ربما لم تسمع عنها من قبل، مثل اللانثانوم والنيوديميوم – هي العناصر التي تهيمن على عناوين الأخبار في أغلب الأحيان. وعلى الرغم من اسمها، فهي ليست نادرة في الواقع، على الرغم من أن العثور عليها بتركيزات كبيرة تجارياً قد يكون أمراً صعباً. بمجرد استخراجها ومعالجتها، لها استخدامات عسكرية حاسمة: على سبيل المثال، يتم بناء طائرات لوكهيد مارتن إف-35 المقاتلة كل منها بـ 920 رطلاً من العناصر الأرضية النادرة!

إن المشكلة التي تواجه الولايات المتحدة خلال العقدين الأخيرين وخلال العقود القادمة هي أن الصين أصبحت الآن تسيطر على سلاسل التوريد للعديد من هذه المعادن الحيوية، وخاصة المعادن النادرة. وقد أثبتت بكين استعدادها لممارسة هيمنتها على سلسلة التوريد في الماضي، مما أشعل سباقاً في واشنطن لتنويع مصادرها بعيداً عن قبضة الصين.

وكان تعزيز صناعة المعادن الحيوية المحلية في الولايات المتحدة محوراً رئيسياً لكل من إدارة ترامب الأولى وإدارة بايدن، حيث عرضت إدارة بايدن حوافز ضريبية ضخمة على القطاع من خلال قانون خفض التضخم وأكدت على أهمية توحيد الجهود مع حلفاء الولايات المتحدة لتشكيل سلاسل توريد جديدة. مع عودة ترامب برزت المعادن الحيوية مرة أخرى كسمة بارزة في أجندة الزعيم الأمريكي الشعبوي.

يقول مورجان بازيليان، مدير معهد باين في كلية كولورادو للمناجم: “هذه واحدة من المجالات القليلة التي تحظى باتفاق تقريبي بين الحزبين، وهي أن هذه المعادن والفلزات تشكل أهمية بالغة بالنسبة للطاقة، ولكنها تشكل أيضا أهمية بالغة بالنسبة للأمن القومي والسلع الاستهلاكية والاقتصاد الأمريكي بشكل عام. وهي تشكل أهمية كبيرة في الحرب الاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة”.

1جزيرة جريلاند

أشاد المشرعون الأميركيون بالثروات المعدنية النادرة في غرينلاند، في حين كثف ترمب دعواته إلى استحواذ الولايات المتحدة على الجزيرة ذات الموقع الاستراتيجي، وهي إقليم يتمتع بالحكم الذاتي تابع للدنمارك. وكجزء من هذه الجهود، طرح بعض الجمهوريين في مجلس النواب الشهر الماضي مشروع قانون “جعل جرينلاند عظيمة مرة أخرى” والذي من شأنه أن يخول الرئيس ترامب الدخول في مفاوضات مع الدنمارك لشراء جرينلاند.

وفي جلسة استماع عقدت هذا الشهر، قال السيناتور الأمريكي تيد كروز من تكساس: “تتمتع جرينلاند باحتياطيات هائلة من العناصر الأرضية النادرة. وإذا تمكنت الولايات المتحدة من الوصول إلى موارد جرينلاند، فقد يؤدي ذلك إلى تقليص اعتمادنا بشكل كبير على الموردين الأجانب، وخاصة الصين، التي تحتكر حالياً سوق العناصر الأرضية النادرة”.

2كندا

مع تصاعد التوترات بين أوتاوا وواشنطن بسبب دعوات ترامب لضم كندا المتكررة، أشار رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو أيضاً إلى ثروات البلاد المعدنية كسبب محتمل لهوس ترامب.

وبحسب صحيفة نيويورك تايمز٬ قال ترودو لمجموعة من قادة الأعمال والمديرين التنفيذيين للشركات في تورنتو مؤخراً: “إدارة ترامب لا تعرف فقط عدد المعادن المهمة التي نمتلكها، بل قد يكون هذا هو السبب في استمرارهم في الحديث عن استيعابنا وجعلنا الولاية الأمريكية رقم 51”. وأضاف ترودو “إنهم يدركون جيداً مواردنا وما لدينا، وهم يريدون بشدة أن يتمكنوا من الاستفادة منها”.

3أوكرانيا

أصبحت المعادن في قلب العلاقات المتوترة بين الولايات المتحدة وأوكرانيا بعد أن طرح صفقة من شأنها مبادلة المعادن الأرضية النادرة الأوكرانية بدعم أمريكي مستمر لجهود كييف الحربية ضد روسيا.

وكانت كييف وواشنطن تقتربان من التوصل إلى اتفاق في بيت البيض الأبيض لكن المشادة المثيرة التي وقعت على الهواء مباشرة بين ترامب وزيلينسكي أجلت عقد الصفقة ومصيرها الآن مجهولاً. وتختلف البلدان في تحديد المعادن التي تعتبرها ذات أهمية استراتيجية. وقد حددت وزارة الداخلية الأميركية خمسين معدناً، وتمتلك أوكرانيا أكثر من عشرين معدناً منها.

عمال مناجم يستخرجون الإلمنيت، وهو عنصر أساسي يستخدم لإنتاج التيتانيوم، في منجم مفتوح في المنطقة الوسطى من كيروفوهراد، أوكرانيا، 12 فبراير 2025 / رويترز

تنتشر رواسب التيتانيوم، التي تشهد طلبًا كبيراً، في مختلف أنحاء البلاد. ويُستخدم التيتانيوم في صناعة أجنحة الطائرات وغيرها من الصناعات الفضائية، وفي الاستخدامات البحرية، والمعالجة الكيميائية، والأجهزة الطبية. كما تتمتع أوكرانيا بالليثيوم، الذي يعد عنصراً أساسياً في العديد من تقنيات البطاريات الحالية، كما تمتلك اليورانيوم الذي يستخدم في الطاقة النووية والمعدات الطبية والأسلحة.

حتى لو كانت أوكرانيا مليئة بكميات كبيرة من المعادن النادرة القابلة للاستخراج اقتصادياً ــ وهو أمر يشكك به البعض ــ فمن المرجح أن يستغرق الأمر سنوات من الاستثمارات الضخمة لتحقيق أي تقدم. ويقول خبراء لمجلة فورين بوليسي إن تطوير منجم واحد يستغرق في المتوسط ​​15 عاماً على مستوى العالم. ومثل هذه المشاريع تتطلب عشرات الملايين من الدولارات من رأس المال، ولا يوجد الكثير من شهية القطاع الخاص لدخول أوكرانيا في ظل الحرب الدائرة. وقد تكون علاقات ترامب مع روسيا أفضل، لكن لا يمكن تطوير منجم من الصفر واستخراج الموارد في غضون ثلاث أو أربع سنوات٬ بل إنها مهمة تستغرق عقوداً من الزمن.

4قناة بنما

تقول جريسلين باسكاران، خبيرة أمن المعادن الحرجة في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS)، لمجلة فورين بوليسي: “عندما ننظر إلى الكثير من تصريحات ومشاريع السياسة الخارجية التي صدرت في أول 30 يوماً لدى ترامب: كندا؟ غنية بالموارد. جرينلاند؟ غنية بالموارد. أوكرانيا؟ ربما غنية بالموارد. قناة بنما؟ حيوية لنقل الموارد”، وبنما نفسها موطن لأحد أكبر أصول النحاس في العالم.. سنرى أن الموارد تلعب دوراً أكبر بكثير بين كل هذه المناطق لدى ترامب”.

وكان ترامب هدد مراراً قبل وبعد تولّيه منصبه في يناير 2025 بالاستيلاء على قناة بنما، وقال إن الصين هي من تديرها، وهو ما نفته بكين بشدة. فيما قال الرئيس البنمي إن القناة ستبقى تحت الإدارة البنمية وملكاً للبنميين، بيد أن بلاده قدمت ما بدا أنها تنازلات في مواجهة الضغوط الأمريكية، إذ قررت الحكومة عدم تجديد اتفاقية طريق الحرير الموقعة مع الصين، والتي تنتهي العام المقبل، ومنح واشنطن حق استخدام قواعدها الجوية الحدودية لمراقبة تسلل المهاجرين غير النظاميين. كما أنها عرضت إجراء محادثات “تقنية” لمعالجة الهواجس الأميركية بشأن وضع القناة.

وتعد الصين ثاني أكبر مستخدم لقناة بنما بعد الولايات المتحدة. وفي عام 2017، قطعت بنما علاقاتها الدبلوماسية مع تايوان واعترفت بها كجزء من الصين، وهو ما يمثل انتصاراً كبيراً لبكين. وأعادت الولايات المتحدة قناة بنما أواخر عام 1999 بعد أن أدارها البلدان بشكل مشترك لسنوات عدة، وتعبر من خلال هذا الممر البحري الحيوي 40% من الحاويات الأمريكية.

5ثروات غزة

إلى جانب كندا وجرينلاند وأوكرانيا وبنما٬ يمكن إضافة منطقة خامسة استولت على تفكير ترامب. طوال الأسابيع الماضية٬ لم يتوانى ترامب عن الإشارة إلى قطاع غزة ومشاريع تهجير سكانها بنية الاستثمار بها وتطويرها، تلك البقعة الجغرافية الصغيرة التي أنهكتها الحرب وتراكمت فيها آثار الدمار. غير أن حديثه عن القطاع لا يتطرق إلى معاناة سكانه أو أوضاعه الإنسانية، بل يتعامل معه بمنظور اقتصادي بحت، وكأنه مشروع استثماري قابل للتطوير.

يضع ترامب غزة في سياق مقارنات غير متوقعة، متحدثاً عنها بعبارات توازي توصيفاته لمشاريعه في كندا وجرينلاند وغيرها. لكن بينما تغيب البنية التحتية وتنهار مقومات الحياة في القطاع بفعل حرب الإبادة الإسرائيلية الممولة أمريكياً على غزة٬ يبدو أن عين ترامب تتركز على الامتداد البحري لغزة، حيث تكمن ثروات طبيعية ضخمة وغير مستغلة هناك، وفي مقدمتها احتياطات الغاز التي لم تجد بعد طريقها إلى الاستثمار.

تمتلك سواحل غزة عدة حقول للغاز أبرزها حقلي مارين واحد واثنين باحتياطي يبلغ 1.4 تريليون قدم مكعبة من الغاز، وحقل NOA الذي سيطرت عليه “إسرائيل” باحتياطيات تبلغ 3 تريليونات قدم مكعبة٬ كما أن حقل “غزة مارين” الذي تم اكتشافه عام 1999 تبلغ احتياطاته 1.4 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي٬ وكل هذه الحقول تسطو عليه دولة الاحتلال وترفض تسليمها للفلسطينيين منذ سنوات طويلة.

وفي مطلع فبراير/شباط٬ أشار خبراء لمجلة “نيوزويك” الأمريكية إلى أن احتياطيات غزة الضخمة من الغاز الطبيعي قد تكون الدافع الخفي وراء أطماع ترامب بالسيطرة على قطاع غزة وتهجير سكانه. وبحسب تقرير “نيوزويك”، يرى بعض الخبراء أن اقتراح ترامب قد يكون مجرد ستار دخاني لإخفاء سياسة الطاقة التي يتبناها. فقد أشارت صحيفة “آسيا تايمز” مؤخراً إلى أن خطة ترامب “تتعلق كلها بالغاز الطبيعي”، بينما توقع كاتب في موقع “بلومبرغ” أن تظهر تقارير تربط بين اهتمام ترامب بغزة ورغبته في الوصول إلى مواردها الطبيعية.

وفي حين تطالب فلسطين بحقوقها تحت الماء التي تحتوي كنوز ضخمة من احتياطيات من الغاز الطبيعي٬ وهي كافية لتزويد الأراضي الفلسطينية بالطاقة لفترة طويلة، مع إمكانية تصدير الفائض إلى دول أخرى، إلا أن مناقشة استغلال حقل غزة البحري على سبيل المثال ظلت متعثرة لعقدين من الزمن بسبب إفشال “إسرائيل” لأي محاولات لاستخراج هذا الغاز بعد توقيع اتفاق أوسلو بين السلطة الفلسطينية وتل إبيب.

ويرى خبراء في “نيوزويك” أن هدف ترامب على المدى الطويل هو السيطرة على غزة للوصول إلى احتياطيات الغاز الطبيعي في حقل غزة البحري. ومع ذلك، قالت بريندا شافر، خبيرة الطاقة في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات وكلية الدراسات العليا البحرية الأمريكية، إن كمية الغاز في غزة ليست كبيرة مقارنة باحتياجات الولايات المتحدة. ومع ذلك، يمكن أن يكون لهذا الغاز تأثير كبير على حياة سكان غزة، حيث يمكن أن يوفر الكهرباء للقطاع لسنوات بالإضافة إلى إمكانية تصدير الفائض إلى مصر. لكن شافر أشارت إلى أن تطوير حقل بحري واحد يتطلب استثمارات مالية ضخمة، مما يشكل عائقاً رئيسياَ.

ووصف بعض الخبراء فكرة ترامب بالسيطرة على غاز غزة بأنها “الفكرة الأسوأ” والتي “لن تنجح”، بينما رأى آخرون أنها قد تكون مجرد “تكتيك تفاوض ذكي” لتحقيق أهداف سياسية أو اقتصادية أوسع. واقتراح ترامب بسيطرة الولايات المتحدة على غزة يثير تساؤلات حول الدوافع الحقيقية وراء هذه الخطوة، خاصة في ظل وجود احتياطيات كبيرة من الغاز الطبيعي في المنطقة. بينما يرى البعض أن الهدف هو تعزيز الأمن الاقتصادي للولايات المتحدة، يشكك آخرون في جدوى هذه الخطة، خاصة في ظل التحديات المالية والسياسية التي تحيط بتطوير حقول غزة البحرية.

عربي بوست

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى