نوافذ

“البلاد” لا “الطائفة”

لُجين سليمان

منذ سقوط النظام في سوريا، وأنا أسمع تحذيرات ومخاوف عما قد يحدث مستقبلا. حدثني صديق سوداني مرارًعن تجربة بلاده، محذرًا من أن تتحول سوريا إلى ما يشبه السودان، حيث لا تُحدد الهوية أو الخطر بناءً على الانتماء

الطائفي، بل بناءً على شكل الوجه، فيُسأل الشخص: هل أنت من الشمال أم الجنوب؟ ويعيش من تتوافق معايير وجهه مع معايير قوة الجهة المسلحة المسيطرة. كما حدثني صديق ليبي عن واقع القبائل في ليبيا، ناصحًا بأن نحذر من أن نصبح مثلهم. وبالطبع، لمصر نصيب من هذه التحذيرات، فما حدث فيها لم يكن تجربة ناجحة بأي معيار بما يُرضي المصريين.

تلقيت تحذيرات من كل أبناء الوطن العربي، سواء ممن أعرفهم أو ممن لا أعرفهم. إلا أني وفي يوم سقوط النظام تحديدا كنت مصرة على أن أعيش اللحظة، أنا التي دائمًا ما أفكر في المستقبل، كنت مصرة على أن أعيش شعور من يملك وطنًا لأن الحاكم الظالم رحل. وبالفعل، كنت أدرك تمامًا أنني أستغل اللحظة فقط لا غير، لأننا في هذه المنطقة نعيش في واقع يصعب فيه أن يكون لنا أوطان حقيقية. أذكر يومها كيف أن شعور القوة قد عاد إلي بعد أن كنت أشعر بكسر في عظام الظهر. وبالفعل إنه شعور رائع لكل من عانى من نقص الوطن في حياته..

رويتُ ما سبق لأقول، أنه وفي خضم كل ما نعيشه في سوريا من واقع طائفي، يخطئ من يعتقد أن معتقداته أو معتقدات طائفته هي التي تحت التهديد. لا، بل التهديد الحقيقي يطال هذه البلاد التي ولدنا فيها وأحببناها، التهديد الحقيقي يطال العقل وصوته في هذا البلد. النظام الدولي لا يهتم بمدى حبك لله أو كيف تصلي له وفقًا لطقوس طائفتك أو كيف يُروى تاريخ الأديان في طائفتك، بل يهتم بقدرته على تفكيك هذا الوطن في داخلك، وبالتالي تفكيك الروابط التي تجمعك مع من يشاركك العيش على هذه الأرض، فلم يبدأ تفكيك المجتمعات يوما إلا من الشروخ التي تتوزع بين أبنائها، فتقسمهم وتشتتهم وتضعهم على جانبي كل شرخ متباعدين بينما يتسع عرض الشقوق بتغذية ما يميّز ويفرّق كل مجموعة من مجموعات هذا الوطن، وبالتواطؤ طبعا مع سلطات لا تعرف كيف تحب شعوبها وتحميهم بل تتقن توجيه السلاح إلى الداخل فيما يسرح العدو ويمرح على الحدود وصولا إلى عمق هذا البلد المنكوب.

في النهاية، دم الإنسان على الإنسان حرام، ومن يحلله مجرم، في عهد من حكم ويحكم وسيحكم مهما تغير اسم الحاكم اللقب الذي أطلقه عليه أهله منذ الصغر، وما حدث في الأيام الماضية ليس إلا مثالا…

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على الفيسبوك

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على التويتر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى