سوريا على الطاولة

يبدو أن الوقت قد نفد. لم يعد لدى المجتمع الدولي مزاج مناسب للقبول بإرجاء الحل النهائي للحرب التي تشهدها سوريا منذ خمس سنوات.
ليس مهما أن يكون الحل مناسبا لهذا الطرف أو ذاك من الاطراف ذات الصلة بالازمة. بالنسبة للمجتمع الدولي ممثلا بطرفيه الاقوى، الولايات المتحدة وروسيا فإن أطراف الازمة لم ترتق بنفسها إلى المستوى الذي يؤهلها لفهم ما ينتظر سوريا من خطر إذا ما استمرت الحرب في سياقها العبثي الحالي.
دول كثيرة صدمها الاتفاق الروسي ــ الاميركي كما لو أنها لم تكن تتوقعه أو أنها في الحقيقة لا ترغب فيه.
فسر البعض ذلك الاتفاق من جهة كونه استسلاما أميركيا للواقع الذي فرضته روسيا على أرض الواقع بعد أن أدى قصفها الجوي إلى تراجع الجماعات المسلحة، في حين يأخذ البعض الآخر على ادارة الرئيس أوباما أنها القت طوق نجاة لروسيا بعد أن كادت تغرق قي ما يسميه ذلك البعض بـ”المستنقع السوري”.
في الحالين يحاول الكثيرون اظهار الولايات المتحدة بصورة القوة التي هزمت في السباق إلى دمشق. وهو استنتاج بعيد عن الواقع. ما جرى فعلا أن الادارة الاميركية تنبهت متأخرة إلى أن أكثر أجزاء الحرب السورية خطرا على السلم العالمي يتمثل في وجود التنظيمات الارهابية في سوريا. وهي الفقرة التي حاول المعارضون السوريون التستر عليها، ظنا منهم أن خلط الاوراق في ظل الفوضى العارمة التي يسببها تداخل الجبهات سيؤدي بالادارة الاميركية إلى التشدد في موقفها المناوئ للتدخل الروسي من غير أن تلتفت إلى الارهاب. وهو ما لم يقع.
لذلك يمكن القول أن الدرس البليغ الذي نتج عن الاتفاق الاميركي ــ الروسي يكمن في تقديم مسالة الحرب على الارهاب على مسألة الخلاف على مَن يحكم سوريا في المستقبل. لقد حدث تحول كبير في سلم الاولويات. إلى وقت قريب كانت الولايات المتحدة ومن خلفها دول أوروبية تضع رحيل الاسد شرطا للانتقال من حالة الحرب إلى حالة السلم من خلال المفاوضات السياسية. اليوم لم يعد ذلك الشرط لازمة للحديث عن الحل السياسي.
وكما يبدو فإن روسيا التي أثبتت الوقائع جدوى تدخلها العسكري على مستوى تقطيع أوصال الجماعات الارهابية كانت قد قدمت ضمانات للولايات المتحدة بأن الاسد لن يكون له وجود في مستقبل سوريا. الحديث الروسي عن اجراء انتخابات نيابية ورئاسية في سوريا وعن حق الشعب السوري في أن يختار رئيسه المستقبلي وينتخب ممثليه في البرلمان لا يعني بالضرورة القبول بالاسد مرشحا وحيدا للرئاسة أو السماح للبعثيين في أن يكونوا سادة صناديق الاقتراع.
فمثلما ليس هناك متسع من الوقت للقبول بحرب عبثية فإن أحدا لن يضيع وقته في ملهاة سلم عبثي، سيكون بمثابة مناسبة لإعادة انتاج للنظام الذي كان جزءا رئيسا من الكارثة التي ضربت سوريا.
من البديهي أن تكون تكلفة السلم أعلى من تكلفة الحرب بالنسبة لطرفي الازمة، النظام ومعارضته اللذين كما أتوقع لن يتمكنا من التعايش، لذلك سيُصار إلى ترحليهما إلى الماضي من أجل أن تتعافى سوريا. ولكن ماذا يحدث لو أن النظام ومعارضته استشعرا بذلك الخطر ولم يلتزما بالهدنة التي هي الثمرة التي أنضجها الاتفاق الاميركي ــ الروسي؟
أعتقد أننا سنشهد يومها تحولا خطيرا في الازمة لن يكون في مصلحة الحكم ولا في مصلحة معارضيه. سيكون خرق الهدنة التي فرضها المجتمع الدولي بمثابة اعلان حرب على العالم، وهو فعل سيكون ثمنه باهظا.
لا أعتقد أن النظام وهو الخانع للاملاءات الروسية يشكل مصدر قلق في ذلك الجانب. الخشية، كل الخشية انما تتعلق بمواقف التنظيمات والجماعات المسلحة غير المنضبطة التي هيأ لها تداخل الجبهات أن تكون جزءا مما يُسمى بالمعارضة المعتدلة.
سوريا على طاولة التشريح. السوريون الحقيقيون وحدهم يدركون معنى أن تكون بلادهم على تلك الطاولة.
ميدل ايست أونلاين