
هذا مقال تحليلي موسّع يستند إلى تقرير التايمز الذي نشرته مؤخراً حول الأرشيف السري لنظام الأسد، ويتناول أبعاده القانونية والسياسية والتاريخية.
فمنذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، تصدّرت انتهاكات نظام بشار الأسد المشهد العالمي.
القصف العشوائي، الإعدامات الجماعية، الاعتقالات التعسفية، التعذيب، والاختفاء القسري، كلها وثّقتها منظمات حقوقية، لكن تقرير صحيفة التايمز الأخير كشف عن أمر غير مسبوق: أرشيف ضخم يضم 1.3 مليون وثيقة حكومية، يُفصّل كيف أدار الأسد “بيروقراطية الموت”.
هذا الأرشيف، الذي جمعه المحامي الكندي بيل وايلي وفريقه، قد يكون المفتاح لمحاسبة مسؤولي النظام، وربما يُفضي إلى محاكمة تاريخية بحجم محاكمات نورمبرغ، التي حاكمت قادة النازية بعد الحرب العالمية الثانية. ولكن، هل سيتحقق ذلك؟
ووفقًا لـالتايمز، تمكّن فريق من السوريين من تهريب هذه الوثائق على مدار 13 عامًا، متحمّلين مخاطر هائلة، حيث قُتل أحد أفراد الفريق واختُطف آخر. تم نقل الملفات سرًّا إلى مدينة أوروبية حيث جرت أرشفتها رقميًا وتحليلها بدعم حكومات غربية.
لكن ما يجعل هذا الأرشيف استثنائيًا هو أنه:
- يتضمن وثائق رسمية تحمل توقيعات وأختام مسؤولين كبار.
- يُثبت أن بشار الأسد كان الآمر الناهي، وليس مجرد قائد صوري.
- يكشف عن هيكل النظام الأمني وكيفية توثيقه لجرائمه بدقة بيروقراطية مدهشة.
المحقق بيل وايلي وصفه بأنه “القمع الأكثر توثيقًا في التاريخ”، مضيفًا: “وكأنهم نازيون بأجهزة حاسوب.”
الوثائق تكشف أن نظام الأسد لم يعتمد فقط على العنف العشوائي، بل على جهاز إداري معقد يخطط ويوثّق عمليات التعذيب والإعدام والاختفاء القسري.
أحد أخطر ما جاء في التقرير هو تفاصيل خلية إدارة الأزمة التي أنشأها الأسد في مارس 2011، والتي كانت تجتمع يوميًا تقريبًا، وتتلقى تقارير مباشرة من الأجهزة الأمنية، وتصدر أوامر قمعية جديدة.
تظهر الوثائق أن الأوامر لم تكن عامة أو عشوائية، بل محددة ومباشرة، حتى أن بعضها كان يحمل تعليقات الأسد بخط يده، مثل:
- “افعلوا كذا وكذا.”
- “لا تفعلوا كذا.”
هذا ينسف تمامًا ادعاء النظام بأن الجرائم كانت تصرفات فردية من ضباط ميدانيين، ويثبت مسؤولية الأسد المباشرة.
التقرير يسلط الضوء على شخصيات أساسية في ماكينة القمع، وعلى رأسهم:
- ماهر الأسد: شقيق بشار وقائد الفرقة الرابعة، متهم بجرائم حرب وتهريب المخدرات.
- علي مملوك: رئيس مكتب الأمن الوطني، أحد أبرز العقول المدبرة للقمع.
- جميل حسن: رئيس استخبارات القوات الجوية، متهم بإدارة عمليات تعذيب ممنهجة.
هذه الأسماء، إضافة إلى مئات الضباط، تظهر أن جرائم النظام ليست مجرد تصرفات فردية، بل سياسة دولة قائمة على الرعب.
وااسؤال الذي يطرح هو هل ستؤدي هذه الوثائق إلى محاكمة تاريخية؟
وايلي وفريقه استخدموا هذه الوثائق بالفعل في 13 قضية دولية، لكن السؤال الأكبر: هل يمكن أن نشهد “محكمة نورمبرغ” جديدة للأسد؟
هناك سيناريوهان محتملان:
-
1. محاكمة دولية تحت إشراف الأمم المتحدة
- كما حدث مع يوغوسلافيا ورواندا، يمكن إنشاء محكمة خاصة لسوريا.
- هذا يتطلب توافقًا دوليًا، وهو أمر صعب بسبب الفيتو الروسي والصيني.
-
2. محاكمات في دول أوروبية
- بعض الدول، مثل ألمانيا، تعتمد مبدأ “الولاية القضائية العالمية”، ما يسمح بمحاكمة مرتكبي جرائم الحرب بغض النظر عن مكان الجريمة.
- محكمة كوبلنز في ألمانيا حكمت بالفعل على مسؤولين سابقين في النظام كما يمكن أن تُستخدم الوثائق في توسيع هذه المحاكمات.
هل يمكن أن تتخلى روسيا عن الأسد؟
التقرير يشير إلى أن روسيا قد تسلّم الأسد يومًا ما إذا أصبح عبئًا سياسيًا. سبق أن تخلّت عن حلفائها مثل:
- شارلز تايلور (ليبيريا)
- لوران غباغبو (ساحل العاج)
لكن موسكو لا تزال ترى الأسد ورقة مفيدة، ولا يبدو أنها مستعدة للتضحية به في الوقت الحالي ؟
والسؤال الذي يطرح الان في المحافل الدولية هل يشهد الشعب السوري والعالم هذه المحاكمة في محكمة الجرائم الدولية ؟
يعتبر أرشيف الأسد أحد أهم الأدلة في تاريخ الجرائم ضد الإنسانية. لكنه ليس كافيًا بمفرده. فتحقيق العدالة يتطلب إرادة سياسية دولية فيها الكثير من التقاطعات والمصالح العليا .
ولكن العدالة، حتى لو تأخرت، قد تصل يومًا ما والأيام القادمة كفيلة بأن تثبت لنا عدالة الارض تأتي قبل عدالة السماء ولو تأخرت بعض الشيء…!
بوابة الشرق الأوسط الجديدة