تحليلات سياسيةسلايد

ماهية الدور وصراع السلطة في تركيا

غسان ملحم

تفاقم الصراع على السلطة من جديد في تركيا يعكس حالة الاحتقان في الشارع التركي على خلفية الانقسام العمودي الحاد في المجتمع التركي، لا فقط على ماهية الحكم، بل أيضًاً ما بين توجهات العلمانيين والإسلاميين.

 

الصراع الداخلي على السلطة السياسية في تركيا ليس أمرًا جديدًا، ولا حتى مستجدًّا. وهو يمتد سنوات عديدة إلى الوراء، ولا سيما مع الصعود السياسي للرئيس التركي الحالي رجب طيب إردوغان طيلة الحقبة التاريخية السابقة، ومع محاولاته الاستئثار بالسلطة السياسية من خلال تغيير النظام السياسي إبّان الفترة الزمنية الأخيرة.

وتبقى دولة تركيا قوة إقليمية، وازنة وفاعلة، على صعيد المنطقة وعلى صعيد العالم، ما يجعلها تكتسي أهمية كبيرة، وكذلك يكتسب الصراع على السلطة فيها أهمية خاصة. فما الذي يمكن الإدلاء به وتدوينه في هذا الشأن حتى تاريخه؟

الصراع على السلطة

إن تصاعد وتفاقم الصراع على السلطة من جديد في تركيا يعكسان حالة الاحتقان في الشارع التركي على خلفية الانقسام العمودي الحاد في المجتمع التركي، لا فقط على ماهية الحكم وطبيعته وهوية الحاكم وشخصه، بل أيضًا ما بين توجهات العلمانيين من جهة، والإسلاميين من جهة أخرى.

لقد بلغ هذا الصراع على السلطة في الآونة الأخيرة درجة مرتفعة ومتقدمة من السخونة والغليان. وهي ليست المرة الأولى التي تشهد فيها أنقرة (العاصمة السياسية) وإسطنبول (العاصمة التاريخية) وبقية المدن التركية احتجاجات وتظاهرات واعتصامات ومواجهات وصدامات في الميادين والساحات والشوارع بين أنصار المعارضة من جهة، وأنصار السلطة والموالاة من جهة أخرى، بالرغم من التعتيم الإعلامي أو عدم الكفاية من التغطية الإعلامية للحدث التركي من قبل الإعلام العالمي والإعلام العربي.

مسار تطور الأزمة واحتمالاته

لا يزال هناك المزيد من المستجدات التي ينتظرها الأتراك في خضم مخاض التغيير السياسي، أو الصراع السياسي على الأقل. الأولى والأجدى بنا، حتى هذه اللحظة السياسية والتاريخية، الإدلاء بالملاحظات أو تدوينها، والتريث وعدم التسرع في إطلاق المواقف والأحكام المسبقة أو المطلقة. فمن يعتقد أو يظن، في الداخل أو في الخارج، أن الأمور قد انتهت في تركيا، أو أنها استقرت، هو مخطئ حتمًا، أو لنقل إنه مشتبه حكمًا.

اجتازت العملية السياسية في تركيا العديد من المحطات التاريخية والسياسية والانتخابية، بما في ذلك أيضًا الكثير من المطبات والقطوعات. كما شهدت تركيا، في ظل تجربة الرئيس الحالي رجب طيب إردوغان على رأس الحكم والسلطة، إقصاء المعارضة السياسية وإجهاض الانقلاب العسكري، كما تصفية العديد، بل الكثير، من المواقع والمفاصل للقوة والنفوذ في الدولة والحكم والجيش والأمن والسياسة الخارجية، في غمرة تغيير النظام والانتقال من البرلمانية إلى الرئاسية مع الإردوغانية.

اتجاهات الصراع على السلطة

يبدو أن المشهد السياسي داخل تركيا قد يتطور تدريجيًّا، سواء عاجلًا أم آجلًا، بحيث قد يتجه نحو أحد احتمالين اثنين، لا ثالث لهما، وذلك على المدى القريب، لا البعيد، أو المدى المتوسط:

الاحتمال الأول هو أن يتمكن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، على رأس السلطة القائمة والحزب الحاكم، من تقويض المعارضة، بل إطاحتها، بعد إقصائها. هو احتمال قائم من الناحية النظرية، ووارد من الناحية الواقعية أيضًا. ولكنه احتمال صعب المنال، وقد يكون حتى بعيد المنال، وليس مستحيلًا. وهكذا قد يصبح الرئيس التركي رجب طيب إردوغان السلطان العثماني الجديد، في محاكاته الشخصية للتجربة التاريخية للسلاطين العثمانيين، على غرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يشبه القيصر الروسي في زمن القياصرة الروس، بعد أن تمكّن الأخير من تدعيم وتوطيد دعائم حكمه.

الاحتمال الثاني هو أن تتمكن المعارضة التركية من التجمع والتكتل في مقابل الحزب التركي الحاكم كما في مواجهة الرئيس التركي، بقصد إطاحتهما – الرئيس ومعه الحزب الحاكم – أو الحد من هذه السطوة أو هذا الإطباق على السلطة السياسية على الأقل. وهكذا قد تنتهي الحقبة الإردوغانية، أو لنقل، قد تتراجع التجربة الإردوغانية، بعد أن احتلت الصدارة والواجهة طيلة العقدين الماضيين، لتدخل البلاد حقبة جديدة من الصراع على السلطة في الداخل والدور في الخارج.

مواقف القوى الدولية والإقليمية

قد يكون من المفيد استعراض وإجمال المواقف السياسية بعجالة، بخصوص الحكم والسلطة في تركيا، للقوى الدولية، الكبرى والعظمى والإقليمية، المعنية بالشأن التركي بطريقة أو بأخرى، في إشارة إلى الأميركيين والإسرائيليين والأوروبيين، والروس والإيرانيين والعرب.

على الصعيد الدولي، يختلف الموقف الأميركي من الرئيس التركي رجب طيب إردوغان ما بين الرئيس السابق جو بايدن والرئيس الحالي دونالد ترامب، حيث يبدو الثاني بالمقارنة مع الأول أكثر إيجابية حياله، أكثر قربًا منه وأكثر تعاونًا معه بالتأكيد. أما مواقف الأوروبيين، فهي إنما تميل لأن تبقى سلبية أكثر منها إيجابية تجاه الحكم والسلطة في تركيا. وفي المقابل، قد تختلف الحيثيات والمحددات والضوابط للموقف الروسي من الرئيس التركي، بعد الانقلاب السياسي لتركيا في سوريا، وكل ذلك في ميزان الحسابات والتقديرات للمصالح والمكاسب.

على الصعيد الإقليمي، فقد تغير الموقف الإيراني من الرئيس التركي مؤخرًا وراهنًا لأسباب عديدة، تتصل بالعديد من المسائل والقضايا والملفات الدولية والإقليمية، ولا سيما سوريا والتغيير السياسي فيها، حيث أصبحت طهران أكثر ريبة، بل أكثر حذرًا، من أنقرة، لاستيائها وامتعاضها بطبيعة الحال. أما المواقف العربية عمومًا والخليحية العربية خصوصًا، فهي ليست إيجابية حيال تجربة الحكم والسلطة القائمة أو الجارية في تركيا، ولا مشجعة، ولا حتى منفتحة عليها ومتعاونة معها. مصر من جانبها تشعر بالقلق من توسع وتمدد تركيا في كل من ليبيا وسوريا، ودول الخليج من جانبها كذلك تشعر بالخشية من مشروع تركيا في المنطقة إبان تجربة الرئيس الحالي رجب طيب إردوغان بالحكم والسلطة. وتبقى “إسرائيل” الأكثر تشددًا في مواجهة هذا المشروع التركي وهذا النفوذ التركي في الآونة الأخيرة.

الدور الإقليمي في المستقبل

قد يتراجع مشروع تركيا في الإقليم، أو لنقل إنه قد يتغير، وكذلك قد تتغير بعض مفرداته وتجسيداته وتمثيلاته، من بوابة سوريا إلى بقية بلدان المنطقة، مع تراجع الحضور أو النفوذ السياسي للرئيس التركي الحالي رجب طيب إردوغان. فبعده، لن تكون تركيا، أو لنقل بالأحرى هي لن تبقى كما هي، ضمن شبكة التموضعات والاصطفافات والتحالفات السياسية والاستراتيجية. وهو الأمر الذي يجعل الأسئلة أو التساؤلات مشروعة بالنسبة إلى انخراط أو ضلوع بعض القوى الدولية، العالمية والإقليمية، في مسار الأحداث في تركيا سابقًا ولاحقًا، ولا سيما أميركا و”إسرائيل”.

الخاتمة

قد يكون من المبكر بعد التنبؤ والتكهن بما سوف تؤول إليه الأوضاع السياسية في تركيا. المسألة الإشكالية قد تكون طويلة، وقد تمتد بعد إلى المستقبل. ليس بالضرورة أن يكون الحسم السياسي سريعًا، ولا حتى نهائيًّا.

الثابت أن تركيا هي أيضاً على صفيح ساخن، كحال المنطقة والعديد من بلدان الإقليم. هي لاعب إقليمي، أساس بل رئيس، لا يُستهان به، ولا يُستغنى عنه. لكنها تتأثر بالأوضاع العالمية والإقليمية، كما تؤثر فيها، بل أكثر. وعليه، قد لا يكون حسم الصراع على السلطة في تركيا بأيدي الأتراك وحدهم، بالنظر إلى موقعها ودورها في المنطقة والعالم.

الميادين نت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى