رشيد عساف: كنتُ نجم الصبايا وما زلت
منذ أدائه شخصيّة ورد في مسلسل “البركان” العام 1990، حصد الممثل رشيد عسّاف نجوميّة عربيّة وسوريّة واسعة. ابن حوران شهد العهد الذهبي لصناعة الدراما السوريّة، وأدّى بطولة أعمال كثيرة، وتنوّعت أدواره بين الكوميديا في “الخربة”، والبيئة الشاميّة في “طوق البنات”، والفانتازيا في “الكواسر”، والبدويّة في “راس غليص”، مروراً بعشرات الأعمال التاريخيّة والاجتماعيّة والبوليسيّة.
في رمضان 2016، يطلّ في مسلسل “عطر الشام” بجانب صباح الجزائري ومنى واصف، وفي الجزء الثالث من “طوق البنات”. النجم المقرّب جدّاً من الجمهور، يتحدّث لـ”السفير” عن بداياته، ومسيرته، وأعماله الجديدة.
*حقّقتَ نجوميّة كبيرة خلال الثمانينيات والتسعينيّات بمسلسلات الفانتازيا التاريخيّة، ثمّ غبت مدّة، وعدت بعدها بأعمال ذات نمط مختلف. هل أثّر ذلك على نجوميّتك؟
بالفعل، كان لتلك الفترة ألق خاص على صعيد الدراما السورية. كان التوزيع قليلاً، ينتج العمل في سوريا، ويعرض فيها، ولم يكن هناك كمّ كبير من الفضائيّات، ولكن كانت أصداء الأعمال كبيرة. كان “البركان” أهمّ عمل في حياتي، ووزّع على جميع القنوات، لذلك كان من الواجب أن أغيب بعده لفترة، لأنتقي ما يناسبني، وأعيد التوازن لنفسي. كانت التسعينيات فترة مفصليّة في مسيرتي، إذ كرستني “كفنان له حضور”، كما يقولون، على الصعيدين النقدي والجماهيري.
*كنت محبوباً جداً خصوصاً بين الصبايا، لماذا لم تترجم تلك النجوميّة على صعيد أعمال سينمائيّة سوريّة أو عربيّة؟
كنتُ نجماً عند الصبايا وما زلت (يضحك). لكن منذ البداية لم يكن هدفي التوجّه إلى جيل معين أو فئة خاصة، بل أن أقدم أعمالاً تطال جمهوراً واسعاً وعريضاً، وأن تصل أعمالي إلى كلّ أفراد العائلة.
محبة الجمهور ساعدتني على الاستمرار، لكن السينما في التسعينيات كانت ضعيفة في سوريا، ولطالما كانت ظاهرة لا صناعة، ومعرّضة للزوال بأيّ هزة اقتصادية. مثّلت في أفلام “الحدود” لدريد لحام (1982)، و “أمطار صيفيّة” لمحمد شاهين (1984)، وفيلم هيثم حقّي القصير “الأرجوحة” (1976) بجانب منى واصف… لكن السينما في تلك الفترة كانت تبحث عن هوية.
*هل تشتاق لأداء الأعمال التاريخيّة، خصوصاً أنّك تتقن الفصحى، وتجيد الأداء فيها؟
الوصول إلى مرحلة تكون فيها قادراً على أداء الشخصية بطريقة سهلة وتلقائية، يعني القدرة على مخاطبة قلب المشاهد. لا يأتي ذلك بشكل تلقائي، بل يحتاج جهداً كبيراً من الممثل، وعمليّة تراكم. أسعى لتخرج الفصحى من فمي كالعامية. في المسلسلات السوريّة، حاولنا تليين الفصحى وطبخها لتخرج من داخلنا. ينسحب ذلك أيضاً على اللهجة البدوية، فنشأتي في جنوب سوريا ساعدتني على تجسيد الكثير من الشخصيات البدوية، ومنها دوري في “رأس غليص” (2006) الذي أصبح أيقونة الأعمال البدوية باعتراف الكثيرين.
*مَن هو المخرج الذي اكتشف مساحات جديدة في شخصيتك؟
ليس هناك من مخرج محدّد، والأمر يعود لي أيضاً أين أجد نفسي. من دور إلى آخر أكتشف مساحات جديدة، يكون المخرج محرّضاً، كما الحال مع هيثم حقي، وبسام الملا، ومحمد عزيزية.
من جهتي، أرى أنّه على الممثل التقيّد بحرفية النص، وأن يقدّر بذكائه وطريقه أدائه أن يميّز حواراً عن آخر. لا أحاول التغيير في النصّ إلا بالعودة إلى الكاتب، لأنه طالما وافقت على الدور، من المعيب أن أشطب الحوار، وأؤلّف من عندي. يعني الارتجال بشكل ما أنّي لم أطوّر نفسي، فحتى لو كانت الشخصية المراد تجسيدها جريدة رسمية، يجب أن أكسرها وأعالجها وأدبّ الحياة فيها.
*اكتشفنا الجانب الكوميدي من شخصيتك في “الخربة”، لتكون نداً للفنان دريد لحام، بالرغم من فرق العمر بينكما، هل تعتبر الكوميديا مغامرة؟
الجمهور هو مَن اكتشف الجانب الكوميدي في شخصيتي من خلال اللقاءات التلفزيونيّة. لكن هذه الشخصيّة بالذات، رآني فيها المخرج ليث حجو. استغربت في البداية، عندما قرأت الدور. بعد الحلقات الثلاث الأولى، سألته إن كان يجد أدائي مقنعاً مع فارق العمر، قال نعم، وقرّرنا خوض المغامرة، وكانت النتيجة إيجابيّة.
في السابق، رفضت المشاركة في أعمال كوميديّة، فما قدّم خلال التسعينيات لم يكن الكوميديا التي أبحث عنها. لكنّ الكاتب ممدوح حمادة أثار إعجابي في أعمال كثيرة، منها “ضيعة ضايعة”. نصّ “الخربة” كان واقعياً، والكوميديا فيه سوداء وجميلة. لا أعمل لأكون ندّاً لأحد، بل أصارع نفسي دائماً، والكوميديا هي فعلاً مغامرة، ولكن ذكاء الممثل والمخرج في أن تكون محسوبة، وتمتلك مقومات النجاح.
*ما رأيك في أعمال البيئة الشامية وماذا أضافت إلى مسيرتك؟
المشكلة في بعض أعمال البيئة الشاميّة، تركيز على ظواهر التخلّف، ومنها “باب الحارة” باعتراف صانعه الذي حاول تجاوز ذلك النمط في الأجزاء الأخيرة. أصبحت تلك المسلسلات بمثابة وجبات خفيفة وجميلة وغير مزعجة، ومن مقوّمات الطقس الرمضاني، بعدما كرّسها المخرج بسام الملا. من جهتي، دخلت متأخراً، علماً أنني كنت مطروحاً منذ زمن، لكنّي اعتذرت عن عدم المشاركة، وهناك مَن حلّ مكاني.
شاركت خلال السنوات الماضية في أعمال بيئة شاميّة تقدّم مقاربة مختلفة عن السائد، مثل “رجال العز” و “زمن البرغوت” و “طوق البنات” الذي حقق نجاحاً كبيراً طغى على “باب الحارة” في الأجزاء الأخيرة، بحسب الاستفتاءات.
وجودي على صعيد الأعمال الشامية كان مفيداً بالنسبة لي، ولم أؤدِّ، كما حكم الجمهور، بالطريقة التي أدّى بها بعض الممثلين في أعمال شامية أخرى، بنوع من المبالغة، بل عملت على أن أكون شخصيّة من لحم ودم.
*ما رأيك بالدراما السورية حالياً، خصوصاً في فترة الأزمة؟
في السنوات الأخيرة، راهن كثيرون، في الداخل والخارج، على أن الدراما السورية ستتراجع، لكنّها على الأقل في حال لم تتقدّم راوحت مكانها، وبعض الأعمال تجاوزت المرحلة وكانت متميّزة.
مقارنةً مع الدول العربية، لا يزال الكم الإنتاجي من حيث عدد المسلسلات جيداً. في العام الماضي كان لدينا أكثر من 26 عملاً، وهذا العام يتجاوز العدد العشرين، والجميع يعمل.
الأسعار اختلفت لأن المسألة عرض وطلب، والممثلون مجبرون على العمل، لأنه من الضروري الحفاظ على الظهور ولقمة العيش، وهناك أعمال تناولت الأزمة بأسلوب سطحي وأخرى بأسلوب عميق، ويجب أن نتناولها بطريقة لا تكون غيبية بل مدروسة وعقلانيّة ومنطقيّة، أيّ أن نفهم ما هي الأزمة وكيف نتناولها. أنا ضدّ ظهور الدم على الشاشة، وتحدّثت عن هذا الموضوع في أكثر من مناسبة، وبالنتيجة نأمل عندما نريد معالجة أزمة معينة على الأقل، أن نكون ملمّين بأسبابها وحضورها بالواقع ونتائجها.
*كيف تتفاعل وتتواصل مع الجمهور؟
التواصل مع الجمهور هو علاقة عضوية، والفنان الذي يعزل نفسه عن جمهوره ليس بفنّان. يجب أن نرى الناس ونردّ ونتواصل معهم. ليس لديّ مدير مكتب أو مَن يتواصل عني، أقوم بذلك بنفسي. ببساطة إن حصل أحد المحبّين على رقمي واتصل بي أو أرسل رسالة عبر “واتسآب” أو البريد الالكتروني أجيب كالعادة. يجب أن تكون علاقتنا مع الجمهور قائمة، فهو الحكم ومَن يشجعنا على الاستمرار، وهو مَن يمكن أن يُهيئ لنا المناخ كي نتطوّر.
*بماذا ستشارك في موسم رمضان 2016؟
أقوم بتصوير جزءين من مسلسل “عطر الشام”، وهو مسلسل جميل، بيئي أيضاً ومن الطقس الرمضاني، من إخراج محمد زهير رجب، كما أنهيت الجزء الثالث من “طوق البنات”، وهو بات جاهزاً للعرض، من إخراج إياد النحاس. ولديّ عمل بعنوان “الغريب”، من تأليف عبد المجيد حيدر، نأمل أن ننجزه للعرض خلال رمضان، وهو عمل اجتماعي معاصر، جميل ومثير أيضاً.
صحيفة السفير اللبنانية