مصر .. شقاق وفرقة ولا بارقة لوفاق (هبة صالح وبورزو دراجاهي)

 
هبة صالح وبورزو دراجاهي من القاهرة

إبراهيم زكي، وهو مذيع تلفزيوني ورجل أعمال، يرتدي قميصاً بنصف كم وعليه شعار "مشروع شهيد". وإلى جانبه تجلس زوجته وعلى وجهها خمار، في مخيم اعتصام للإخوان المسلمين في القاهرة. وهو واثق، كما يقول، من أن الغلبة ستكون للإسلاميين في مصر على الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس الإسلامي محمد مرسي.
ويقول زكي، وهو من أتباع حازم صالح أبو إسماعيل، وهو واعظ معروف اعتُقِل في الأسبوع الماضي مع زعماء الإخوان: "من المؤكد أن النصر سيكون لنا. هذا وعد من الله، أنك إذا سعيتَ للنصر فلن يقدر عليك أحد. هذه التوقعات هي من ديننا".
وكلمات زكي هي صدى لمشاعر كثير من الناس في مدينة نصر، إحدى ضواحي القاهرة، حيث أنشأ آلاف الإسلاميين معسكرا للاحتجاج على الانقلاب. وهم مستعدون للمكوث فترة طويلة، ويعلقون الرايات احتفالاً بشهر رمضان.

وعلى المدى القصير تهدف استراتيجية الإخوان إلى المقاومة السلمية. ويقول جهاد حداد، وهو متحدث باسم الإخوان، في إشارة إلى انتفاضة 2011 التي أطاحت بحسني مبارك من الرئاسة: "هذا هو التحرير رقم 2".
ويضيف: "سنفعل هنا كل ما فعلناه هناك. سنضاعف الاحتجاجات في أنحاء مصر. ليس هناك خيار سوى إعادة العسكر إلى ثكناتهم وإعادة الرئيس، ثم كل شيء سيكون قابلاً للتفاوض، بما في ذلك مغادرة الرئيس للمنصب".
لكن بخلاف الاحتجاجات ليست هناك علامة تذكر على أن زعامة الإخوان أعدت لخطوات تالية في الوقت الذي تكتسب فيه العملية السياسية الجديدة، المدعومة من الجيش والسياسيين العلمانيين وقسم كبير من السكان، زخما مع تعيين رئيس مؤقت.
وقال حداد إن جماعة الإخوان ترفض محاولات التوسط من قبل دبلوماسيين غربيين وغيرهم من الذين يطلبون منهم الصبر على ما أصابهم بحجة أن الجيش لديه "قوة ضاربة".
ولعدم وجود خطط لمفاوضات، ولأن مرسي لا يزال محتجزاً دون تهمة، يبدو على أكبر منظمة سياسية مصرية نشأت من أصول ريفية أنها مهمشة مؤقتاً، رغم أن محللين وبعض الزعماء العلمانيين يصرون على أنها ينبغي أن تكون جزءاً من أي نظام ناشئ إذا أريدَ أن تكون لمصر حكومة مستقلة.
وقال شادي حامد، وهو محلل لدى مركز بروكينجز في الدوحة، إن المشاركة في أي عملية سياسية تعني أنه سيتعين على الإخوان التخلي عن "دعوى الشرعية" التي يطالبون بها بعد أن أطاح العسكر برئيس منتخب ديمقراطياً.
وأضاف: "سيكون من الغريب أن نتوقع منهم القيام بذلك بعد أسبوع. على العسكر أن يظهِروا حسن النية أولاً حتى يرد الإخوان بالمثل. الخطوة الأولى ستكون إطلاق سراح الزعماء المعتقلين ووقف أعمال القمع التي كانت نتيجتها إغلاق قنوات التلفزيون التابعة للإخوان واستهداف رجال الأعمال من الإخوان".
وتابع: "إذا رأوا أن النظام الجديد يتعزز ويستمر في تلقي التأييد، فسيتعين عليهم التعامل معه. ربما خلال أربعة أو خمسة أشهر سنبدأ في رؤية الإخوان يتخلون عن الاحتجاجات ويفكرون في المشاركة، لكن لا بد من وجود ضمانات في البداية بأنه سيُسمح لهم بالفوز في الانتخابات".
ولأن مصر منقسمة، ولأن قسماً لا بأس به من السكان يعارض الإسلاميين ويؤيد إجراءات الجيش، يبدو من غير المرجح أن أي ضمانات من هذا القبيل ستُعرَض قريباً. بل على العكس من ذلك، يبدو أن النائب العام يفكر في إمكانية توجيه تهمة الخيانة إلى مرسي.
وفي الوقت الذي تتشدد فيه المواقف، من المتوقع أن يستمر الشقاق والفُرقة في مصر. وقال حداد إن مكاتب الإخوان تتعرض للإغلاق "بمعدل مكتبين في اليوم". وأضاف: "أعتقد أنهم سيفككون الإخوان المسلمين قطعة قطعة". وأصر على أن الحركة ستنجو من أي قمع في المستقبل مثلما فعلت في الماضي وأن مقاومتهم ستظل سلمية.
لكن تماماً في الوقت الذي يغض فيه المصريون العلمانيون  الطرف عن مظالم الإسلاميين، فإن كثيراً من المحتجين في مدينة نصر يرون أن العلمانيين لا يمثلون المصريين الحقيقيين. وقال محمد الدسوقي، وهو مزارع من محافظة الدقهلية: "إنهم يتألفون من راقصات الملاهي، والإعلام، والشيوعيين، والماركسيين، والأقباط".
ولأن المشاعر متأججة، يظل احتمال العنف كبيراً. وإذا سفكت دماء أخرى، فإن هذا لن يعرقل المصالحة فحسب، وإنما سيمَكِّن المتشددين من المناهضين للإسلاميين في المؤسسة الأمنية، بحسب تحذيرات بعض المحللين. وأدت الصدامات إلى مقتل عشرات الأشخاص، من بينهم نحو 50 من الإسلاميين بنيران الجيش في معركة فوضوية عند مقر الحرس الجمهوري في الأسبوع الماضي. ومن غير الواضح ما الذي أشعل فتيل القتال، لكن منظمة العفو الدولية اتهمت الجيش باستخدام القوة المفرطة.
وقال حامد: "سيكون هناك مِن معسكر الإسلاميين مَن يرى أن  العنف مبرر؛ لأن النظام السياسي غير شرعي. وتستطيع حركة الإخوان فرض الانضباط على أتباعها، لكن لا سيطرة لها على الآخرين".

وأشعلت الإطاحة بمرسي موجة من الهجمات ضد الأقلية القبطية، حيث جرى اختطاف أفراد منهم أو قتلهم، ومهاجمة كنائسهم، بسبب اتهامات بأنهم كانوا وراء الانقلاب، كما يقول زعماء وناشطون أقباط.
وفي الأسابيع الأخيرة قتل تسعة أقباط على الأقل في مناطق مختلفة من مصر، بمن فيهم قس. وهوجمت أكثر من عشرة كنائس ودمرت في أنحاء البلاد. وتم تعليم الشركات المملوكة لأقباط بشعارات معينة، وتم توزيع كتيبات تشتمل على تهديدات. ويقول ناشطون حقوقيون وزعماء أقباط إن موجة الاضطهاد اشتعلت بسبب لغة الإخوان الغاضبة عقب الإطاحة بزعيمهم.
وقال إسحق إبراهيم، من المبادرة المصرية للحقوق الشخصية: "كان الأقباط دائماً عرضة للاضطهاد الديني، لكن ما حدث الأسبوع الماضي كان رد فعل سلبي على بيان الجنرال السيسي الذي أطاح بحكم مرسي".
وأضاف: "أعضاء الإخوان المسلمين أخذوا منذ ذلك الحين ينشرون الشائعات قائلين إن هناك مؤامرة من الأقباط لاستبعادهم من السلطة".
ويسود شعور بالقلق من أن التنافس السياسي يتخذ الآن بعداً طائفياً. ويتمسك مؤيدو مرسي الإسلاميون بحقيقة أن بابا الأقباط، تواضروس، كان على المنصة حين أعلن الجنرال عبد الفتاح السيسي خلع الرئيس السابق، مع أن شيخ الأزهر ورئيس جامعة الأزهر كانا موجودين، إلى جانب حزب النور السلفي المتشدد.
وأبرزت وسائل إعلام محلية ودولية حقيقة أن رجل الأعمال القبطي، نجيب ساويرس، سمح لحركة تمرد المناهضة لمرسي باستخدام مكاتب جماعته السياسية، المصريون الأحرار، رغم أن حزب الدستور الذي يترأسه محمد البرادعي وحركة التيارات الشعبية لحمدين صباحي، وكلاهما من المسلمين، لعبتا دوراً أهم بكثير في عملية إخراج مرسي.

فاينانشال تايمز

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى