التقنيّات الرقميّة نفط الألفيّة الثالثة تستخرجه عقول الشباب
قبل فترة وجيزة، ظهر رسم لفنان الكاريكاتور اللبناني – الأميركي باتريك شابّات، في صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، يلخّص أحد أكبر التحديّات التي تواجهها الدول العربية في الألفيّة الجديدة. وساعدت الأزمة الراهنة في أسعار النفط على إعطاء ذلك الرسم نكهة خاصة، لأنه يقدّم صورة عرب باتوا يفكرون خارج الصندوق التقليدي الذي يربط الثروة بالنفط، بل يرون فيه عنصراً غير إيجابي. وتقرأ عين «منتدى «معهد ماساشوستس للتقنية» لريادة الأعمال في العالم العربي، ذلك الرسم بأنه يلخّص فكرة شائعة بين اختصاصيّيه حول ضرورة الانتقال إلى وضع تشكّل التقنيّات الرقميّة واقتصادها قرابة 30 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في الدول العربيّة، في غضون السنوات العشر المقبلة.
مواكبة الظاهرة الإلكترونيّة
مع ذلك، يبدو أنّ الحكومات العربية لم تواكب هذه الظاهرة، بما يتلاءم مع أبعادها كافة. إذ لم تنفق الحكومات سوى نسبة ضئيلة من إجمالي الدخل المحلي على التقنيّات الإلكترونيّة، خصوصاً الاقتصاد الرقمي. وإذا جمِعَت حصة الاقتصاد الرقمي من الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية مجتمعة في العام 2015، فإنّها لا تتجاوز 5 في المئة. ومن الواضح أنه رقم ضئيل بالمقارنة مع 33 في المئة في الولايات المتحدة، و11 في المئة في الصين، وفق أرقام صادرة عن شركة «آكسسنتشر استراتيجي» Accenture Strategy العالميّة.
هناك أمثلة كثيرة عن تلك المواهب العربيّة. يرد إلى الذاكرة فوراً قسورة الخطيب الذي كان أوّل من آمن بأنه من الممكن الاستثمار بإنتاج الإعلام في المملكة العربيّة السعودية، فأطلق شركة «يوتيرن» وتعمل على موقع «يوترن.مي» uturn.me. على غرار ذلك، لاحظت ريم أسعد، أنه لا بد من رفع مستوى المعرفة في المجال المالي، فأنشأت مدونتها الماليّة الخاصة تحت إسم «نصيحة ريم» nasi7atreem. وكذلك صار وسيم القاري مالكاً لعملين: الأول هو كونه مستشاراً لدفع الفواتير، والثاني رائداً للأعمال في حقل الرعاية الصحية عبر منصة «صحتي».
ثمة مئات الشابات والشبان في السعودية ومصر ولبنان ودبي وغيرها، ينتظرون من يستثمر في ابتكاراتهم. ومن اللافت أن معظم هؤلاء الشباب ليسوا من خريجي الأنظمة التربوية التقليديّة، بل هم خرّيجو الاقتصاد الرقمي.
ومنذ سنوات، دأب «منتدى «معهد ماساشوستس للتقنية» لريادة الأعمال في العالم العربي، على توعية الشباب العربي وتدريبه على التقنيات الرقميّة واقتصاداتها. ويشمل ذلك عقد مسابقة المنتدى التي تقدم إليها هذه السنة ما يزيد عن 6000 مشاركة، جاءت من 20 دولة عربية. ويتمتع هؤلاء الشباب بالمعرفة اللازمة والمرونة والقدرة على التأقلم، ويعملون بجدية ولا يوفرون جهداً لتعلّم ما يحتاجون إليه. وليس مجازفة القول أن الاستثمار في عقولهم ومشاريعهم الناشئة هو الطريقة المثلى للاستفادة من طاقاتهم. نقطة أخيرة يجدر ذكرها، وهي أنّ الاستثمارات المغامرة يجب أن تأتي من القطاع الخاص، وليس الحكومات. وفي حين يمكن الحكومة الاستثمار في البحوث والتطوير عبر جهات رسمية ومؤسسات عامة، إلاّ أنّ قطاع رؤوس الأموال المغامرة يجب أن يبقى من اختصاص القطاع الخاص. كما يتوجّب على هذه الاستثمارات أن تتخطى الحدود الوطنية الضيقة لتشمل أنحاء المنطقة العربية كافة. ويبدو ذلك بديهياً لأنّ الإبداعات والمواهب التي تشكل المادة الخام الرئيسيّة في التقنيّات الرقميّة واقتصاداتها، منتشرة على امتداد مساحة الوطن العربي.
وكخلاصة، يجدر أن تتضافر الجهود لاغتنام الفرصة الذهبيّة المتمثّلة في عقول الشباب العربي، عبر توظيف 0.3 في المئة من إجمالي الناتج المحلي العربي في الاستثمار المغامر في التقنيّات الرقمية. ويتكفل ذلك بالوصول إلى رفع نسبة مساهمة الاقتصاد الرقمي في الناتج المحلي الاجمالي العربي إلى 30 في المئة في غضون 10 سنوات. وعبر تلك الثورة التقنية – الاقتصادية، يأتي التغيير البنّاء الذي تستفيد منه المنطقة العربيّة بأكملها. وإذا تم خلال السنوات العشر الماضية، إنفاق ما يزيد عن 10 تريليونات دولار على مشاريع الإعمار والبنى التحتية في المنطقة العربية، فهل تبخل الحكومات العربية باستثمار 0.1 في المئة من هذا الإنفاق في التقنيّات الرقميّة وابتكارات العقول الشابة العربيّة فيها؟
* رئيسة مجلس إدارة «منتدى معهد ماساشوستس للتقنية لريادة الأعمال في العالم العربي».
صحيفة الحياة اللندنية