الذين شاركوا في الثورة ، من يقف إلى جانبهم ؟ المشكلة الملحة أمام الدولة السورية الجديدة
عماد نداف
لا أخفي سراً إذا قلت إنني لم أشارك في ثورة عام 2011 ، واكبتُ أحداثها من موقع الشاهد الذي يراقب الوقائع ويسجلها، وكنت على يقين أنها (ثورة فعلاً) ، رغم كل الاتهامات التي وجهت لها من قبل كثيرين. وكيف لاتكون ثورة، وقد خرجت الملايين إلى الشوارع تهتف بإسقاط النظام ، وتطالب بالحرية.
كان الخوف واليأس هو سبب عدم المشاركة فيها، وخاصة أنني دفعت ثمنا باهظا من حياتي في السجن نتيجة المغامرة السياسية، وكنت أرى أنه من الصعب فك خيوط (كبكوبة) الصوف التي اشتغل عليها حافظ الأسد أكثر من ثلاثين عاماً، وتابع ابنه بشار الأسد تعقيد مسارات خيوطها، بحيث لايمكن الخروج من النظام السابق إلاّ عبر حرب أهلية طويلة قد تنتهي بتمزيق البلاد، وهذا ما جعلني أعتقد أن الثمن سيكون غالياً ، فراقبت الأحداث بحذر.
وبالفعل دفع السوريون ثمنا باهظا في الأيام والأسابيع والشهور والسنوات التالية لاندلاع الثورة في 15 آذار2011 ، وكانت الشواهد على هذا الثمن كثيرة : الدمار، تحول مهمات الجيش عن مسارها، التدخلات الخارجية، القتلى ، المهجرون، المعتقلون ، الغلاء، البطالة ، انهيار الاقتصاد..إلخ.
بعد سقوط النظام السابق في الثامن من كانون الأول 2024 ، وجدت نفسي مدهوشاً أمام الحدث، بل واجهتني الحقيقة التي لم أكن أتوقعها : لقد سقط النظام فعلا وخلال أيام من تحرك إدارة العمليات نحو مدينة حلب، والأهم في ذلك أن ارتياحا عاما ساد البلاد نتيجة لعدم وقوع مجازر واسعة، وبدأت البلاد تتجه إلى مرحلة انتقالية !
وبالطريقة نفسها، واكبت الأحداث التالية للسقوط، وتحول الحوار بين المثقفين والمحلليين من نمط إلى آخر، والنمط الجديد الذي تركز الحوار عليه هو بناء الدولة الجديدة. وأخطر مافي هذه العملية هو أن عملية البناء ستتم فوق خراب واسع كبير عمّ أنحاء سورية ومزقها، وأمام الحاجة لإزاحة عقبات محلية وعربية ودولية تعيق العودة إلى الحياة الطبيعية.
خرج من السجون من بقي حياً، وبدأ السوريون المبعدون والمهجرون بالعودة إلى البلاد، وبشكل طبيعي عشتُ مع أبناء بلدتي وأقاربي هذه الأجواء، واكتشفت مجموعة نقاط لابد من الوقوف عندها والتنبيه إليها، وبغض النظر عن تطبيق العدالة الانتقالية، والحوارات التي تجري حولها، فإن من مهامها أيضا ملاحظة المهمات التالية المتعلقة بصانعي الثورة :
أولا : أن أقاربي وأصدقائي وبعض من أهلي الذين شاركوا في الثورة يعيشون الآن فرحة العمر ، ولكن لا أحد يقف إلى جانبهم، فأغلبهم بالضرورة بلا عمل ، بعد حرمانهم من أي فرصة في الماضي ، وهناك من دمر بيته وسرح من وعمله ، وهناك من يحتاج إلى مساعدات عاجلة واستثنائية لينخرط في دورة الحياة الجديدة.
ثانيا : أن عشرات الآلوف من العائدين إلى سورية لا سكن لهم ولا معيل لهم ولا مورد لهم ولاسجلات تنصفهم أمام التحول الجديد في البلاد.
ثالثاً: هناك شهداء للثورة ولهم حقوق على الدولة سواء لورثتهم أو لأبنائهم، وهناك مفقودون ينتظر ذووهم أجوبة واضحة على مصيرهم وآلية التعامل مع حالاتهم ، فمن يحصيهم وكيف يتم فتح سجلات لهم ، ومن يدققها ، وكيف ستساعد الدولة الجديدة في هذا المجال.
رابعا: أن فرص العمل الجديدة لم تأخذ بعين الاعتبار أولويات واضحة محددة للتعاطي مع المشاركين في الثورة أو لذوي الشهداء.
بمعنى آخر ، إن من أولى المهمات هو إنصاف الجمهور الواسع الذي قدم التضحيات، وتأمين احتياجاته الانسانية الضرورية .
وأمام كل هذه الحقائق تحتاج الدولة الجديدة إلى خطة عاجلة لتدارك الأمر، وفي هذه الخطة هناك حاجة لتوثيق أسماء أولئك الذين ضحوا ، وتقديم العون لهم ، وتكريمهم، وهناك حاجة لمد يد العون للعائدين بتقديم مستلزمات الحياة من مساعدات وغيرها، وهناك حاجة إلى أولويات في فرص العمل ، وهناك حاجة إلى روابط تجمعهم وتسجل تضحياتهم، وثمة حاجة أيضا لفتح سجلات الملاحقين والمطلوبين الذين ظلوا في سورية ولم يغادروها ..
ملاحظة : إن وجهة النظر هذه لا تعني تراجع الدولة عن مسؤوليتها تجاه مكونات الشعب الأخرى وحاجتها للأمان والعمل والانصاف والمحاسبة إذا اقتضت الضرورة .