تحليلات سياسيةسلايد

الحرب على إيران تقسم أميركا | إدارة ترامب: صوت «الحمائم» يتراجع

لا ينفكّ الهجوم الإسرائيلي ضدّ إيران، وانعكاساته المحتملة على المصالح الأميركية، يفرض نفسه بنداً أساسيّاً في النقاش الدائر في واشنطن.

وفي خضمّ تصاعُد حدّة ذلك النقاش، بين الفريق المؤيّد للدعم الأميركي المطلق لإسرائيل في هذه العملية، والآخر الرافض للانخراط المباشر في حرب إضافية في الشرق الأوسط، والمتحفّظ على صيغة الدعم المقدّم لتل أبيب، عرض عضو مجلس الشيوخ الأميركي، تيم كين، مطلع الأسبوع الجاري، تشريعاً لمنع الرئيس دونالد ترامب من استخدام القوّة العسكرية ضدّ إيران من دون تفويض من الكونغرس.

وبرّر السيناتور الديمقراطي عن ولاية فرجينيا، المعروف بمعارضته الحرب على إيران، وبمواقفه المنادية بضرورة استعادة الكونغرس صلاحياته في مسألة إعلان الحرب من البيت الأبيض، على غرار مشروع كان تقدّم به خلال الولاية الأولى لترامب، عام 2020، تقديم مشروع القانون الجديد، بأنّ الدستور الأميركي «يمنح الكونغرس وحده، وليس الرئيس، سلطة إعلان الحرب».

وتابع كين، في بيان، أن الدخول في أيّ أعمال قتالية مع إيران يجب أن يكون عبر إعلان حرب، أو تفويض محدّد باستخدام القوّة العسكرية، وفقاً للدستور، مشدّداً على أنّه «ليس من مصلحة أمننا القومي الدخول في حرب مع إيران، إلا إذا كانت تلك الحرب ضرورة لا مفرّ منها للدفاع عن الولايات المتحدة.

يساورني قلق بالغ من أن أحدث تصعيد في الأعمال القتالية بين إسرائيل وإيران سرعان ما سيجرّ الولايات المتحدة إلى صراع آخر لا نهاية له». كذلك، اعتبر السيناتور عن ولاية فيرمونت، بيرني ساندرز، أن توقيت الغارات الإسرائيلية داخل إيران، يشي برغبة حكومة بنيامين نتنياهو في تقويض المحادثات حول الملف النووي الإيراني، داعياً الولايات المتحدة إلى تجنّب الصراع.

ومع أنّ معظم المشرّعين من الحزب الجمهوري، الذي يهيمن على الكونغرس بمجلسَيه، لم يظهروا رغبة كبيرة في معارضة سياسة البيت الأبيض، فقد حفلت الأيام القليلة الماضية بأكثر من موقف معارض للهجوم على إيران، في صفوف حزب الرئيس.

فقبل ساعات، خرج النائب الجمهوري عن ولاية كنتاكي، توماس ماسي، في منشور عبر منصة «إكس»، لانتقاد تدوينات ترامب الأخيرة، التي تعكس تبنّياً أميركيّاً صريحاً لذلك الهجوم، مشدّداً على «أنّ هذه ليست حربنا، ولا ينبغي لنا استخدام جيشنا هناك»، قبل أن يعقّب بالقول: «إذا كان الأمر كذلك، فيجب على الكونغرس أن يقرّر مثل هذه الأمور وفقاً لدستورنا».

وأعلن ماسي توجّهه لعرض مشروع قرار جديد على مجلس النواب، يحظى بتأييد من مشرّعين جمهوريين وديمقراطيين على السواء، وهو مشروع حول صلاحيات الحرب مماثل لذلك الذي كان تقدّم به كين، داعياً جميع أعضاء الكونغرس إلى المشاركة في رعايته.

وعلى المنوال عينه، عبّر السيناتور الجمهوري عن الولاية نفسها، راند بول، في حديث إلى شبكة «سي إن إن»، عن أمله في ألّا يستسلم ترامب للضغوط التي تدعوه إلى التدخّل المباشر في الحرب على إيران، مضيفاً أن «مهمّة الولايات المتحدة ليست التورّط في هذه الحرب».

وعلى مستوى إدارة ترامب، حملت المواقف الأخيرة لنائب الرئيس، جي دي فانس، نبرة غير حاسمة حول وجهة القرار النهائي للبيت الأبيض في شأن التعامل مع إيران خلال الفترة المقبلة؛ ذلك أنّه كشف أنّ الرئيس قد يقرّر «اتخاذ إجراءات إضافية لإنهاء تخصيب اليورانيوم في إيران»، في إشارة عُدّت تلميحاً إلى مشاركة محتملة لواشنطن في الحرب على طهران، من جهة، في موازاة محاولته استرضاء القاعدة الشعبية لتيار «ماغا»، الذي يرفض السواد الأعظم منه خوض بلاده حرباً جديدة في الشرق الأوسط، من جهة ثانية.

وبحسب مراقبين للشأن الأميركي، فإنّ كلام فانس يعكس تغليب معظم أعضاء فريق ترامب عامل الولاء له، والانصياع لقراراته، وإنْ كانت مخالفة لقناعاتهم، وبخاصة الفريق الذي كان داعماً للمسار الدبلوماسي مع الإيرانيين، بقيادة ستيف ويتكوف، ولا سيما أن فانس نفسه لطالما كان متوجّساً من فكرة الحرب على إيران، سواء لِما يمكن أن ينجم عنها من «تصعيد خطير مطوّل، لا يمكن السيطرة عليه» على مستوى الشرق الأوسط، أو لِما يمكن أن تثيره من نوايا لـ»تغيير النظام».

وبحسب مصادر مقرّبة من فانس، فإنّ الأخير حوّل اهتمامه، مع بدء الحرب الإسرائيلية على إيران، إلى محاولة إبعاد بلاده قدْر الإمكان عن الدخول على خطّ الصراع، بما يتجاوز تبادل المعلومات الاستخبارية مع تل أبيب.

ولا يقتصر ذلك الانقسام على الفريق السياسي لترامب، بل يتعدّاه إلى فريقه الأمني، إذ تنقل وسائل إعلام أميركية، عن مصادر مطّلعة، قولها إنّ مدير «وكالة الاستخبارات المركزية»، جون راتكليف، حرص على «الاكتفاء بعرض تقديرات الوكالة (حول إيران) إلى ترامب، من دون أن يتبنّى ما يغلّب وجهة نظر أيٍّ من الفريقَين» المؤيّد والمعارض للتدخل العسكري المباشر، في حين كانت مواقف مدير الاستخبارات الوطنية، تولسي غابارد، واضحة للعيان في «معارضتها لهذا التدخّل».

أحجية تغيّر مواقف ترامب

وفي معرض تحليلها تحوّل ترامب إلى تبنّي الحرب الإسرائيلية على إيران، رأت صحيفة «نيويورك تايمز» أنه «ليس هناك ما يدعو إلى الاستغراب في أن يأذن ترامب بدعم إسرائيل بشكل غير مباشر في حربها على إيران، بالنظر إلى تشدّده المعروف إزاء طهران منذ ولايته الرئاسية الأولى».

ومع إشارتها إلى أنّ الرجل «لم يكن يوماً من أنصار مبدأ عدم التدخّل» العسكري في الخارج، أوضحت الصحيفة الأميركية أنّ حجّة السياسيين الأميركيين المؤيّدين للمبدأ المذكور، وتحذيراتهم من قدرة إيران على إحداث حالة من الاضطراب في عموم الشرق الأوسط، «بدت أضعف بكثير بعدما تمكّن الإسرائيليون من تدمير وكلاء إيران في المنطقة»، مشيرة إلى أنّ الرئيس الأميركي متمسّك بنهجه الثابت في السياسة الخارجية، والذي يقوم على «عقد الصفقات، في موازاة التلويح باستخدام القوّة كورقة مساومة حاسمة».

وتابعت الصحيفة أنّ «الدرس المستفاد هنا هو أن ترامب هو مَن يقرّر ولا أحد غيره، إذا ما جنح إلى قبول تنازلات من طهران» قد يعتبرها «معسكر الصقور» في واشنطن «زائفة» و»غير كافية»، لافتة إلى أنّه «يؤمن بقدرته على إنجاز الكثير عبر توجيه بضع ضربات مؤلمة إلى إيران، مع تجنّب تغيير النظام فيها».

وبحسب مصادر أميركية مسؤولة، فإن ترامب بدأ يميل نحو تأييد وجهة نظر نتنياهو الرافضة للمسار الدبلوماسي، مطلع حزيران الجاري، حين «بدأ يحدوه الاعتقاد بأن الإيرانيين يتلاعبون به في المفاوضات الدبلوماسية، على غرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين» في ملف المفاوضات الجارية حول أوكرانيا، على رغم توجّسه في الوقت نفسه، من مساعي نتنياهو الرامية إلى «جرّه إلى حرب أخرى في الشرق الأوسط».

وأشارت الصحيفة إلى أنّ ترامب «وجد نفسه، بين عزمه على منع إيران من الوصول إلى القنبلة النووية، ورغبته في إظهار نفسه كرئيس قوي، من جهة، وبين خشيته من العواقب الإستراتيجية والسياسية المحتملة لاستخدام القوة ضدّ إيران»، من جهة ثانية.

كما كشفت، نقلاً عن المصادر نفسها، أنّ ترامب كان «مبهوراً» بما أبلغه إيّاه نتنياهو، خلال اتصال هاتفي في التاسع من الجاري، بأن «المهمّة (ضد إيران) بصدد الانطلاق»، وأن «لدى إسرائيل قوات جاهزة للعمل على الأرض داخل إيران»، بعدما نجح الأخير في إقناعه بجدوى الخيار العسكري لتعزيز موقف واشنطن في المفاوضات النووية.

صحيفة الاخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى