علوم وتكنولوجيا

كيف تُجمع البيانات وأين تذهب؟

كيف تُجمع البيانات وأين تذهب؟ … لم يعد الإنترنت مجرد وسيلة اتصال أو أداة تقنية نخبوية كما كان عند ظهوره في العقود الماضية، بل أصبح اليوم ركيزة أساسية من ركائز الحياة اليومية، وفقاً لما تؤكده تقارير صادرة عن الأمم المتحدة وعدد من الهيئات العالمية. إلا أن هذه الثورة الرقمية، ورغم ما وفرته من سهولة في الوصول إلى المعلومات وتبادلها، لم تأتِ من دون ثمن، وخصوصاً في ما يتعلق بخصوصية المستخدمين.

 فمنصات الإنترنت اليوم لا تكتفي بتقديم الخدمات، بل تعمل في المقابل على جمع كميات هائلة من البيانات عن كل من يستخدمها، بما يتجاوز أحياناً وعي المستخدم نفسه.

من يجمع البيانات ولماذا؟

الإنترنت في حد ذاته ليس سوى أداة لنقل البيانات، أما الجهات التي تقف خلف عملية الجمع فهي شركات ضخمة تعمل في مجال «البيانات العميقة» أو Big Data، وهي كيانات تجارية متخصصة في جمع وتحليل وبيع البيانات لمصلحة شركات أخرى، في مجالات التسويق، الذكاء الاصطناعي، تصميم المنتجات، الحملات الإعلانية وغيرها.

ومع ازدهار هذا القطاع، ظهر علم البيانات ليواكب الكم الهائل من المعلومات التي يتم جمعها، فصارت هذه البيانات تمثل السلعة الأغلى في العصر الرقمي. والشركات الكبرى تدفع مليارات الدولارات للحصول على معلومات دقيقة عن المستخدمين لتحسين مبيعاتها وإستراتيجياتها، ما يجعل مقولة «إذا لم تدفع ثمن المنتج، فأنت المنتج» تنطبق تماماً على واقع الإنترنت الحالي.

ما نوع البيانات التي تُجمع عبر الإنترنت؟

البيانات التي يتم جمعها لا تقتصر على المعلومات الظاهرة فقط، بل تشمل مختلف الجوانب الشخصية والتقنية والسلوكية للمستخدم، ويمكن تصنيفها كما يأتي:

– البيانات الأساسية: مثل الاسم، رقم الهاتف، البريد الإلكتروني، الموقع الجغرافي، اللغة والجنسية.

– البيانات المتقدمة: مثل محل الإقامة الدقيق، الفئة العمرية، الانتماءات السياسية والاجتماعية والدينية.

– البيانات التقنية والتفضيلية: مثل نوع الجهاز، سرعة الإنترنت، مزود الخدمة، المواقع المفضلة وسلوك التصفح.

– البيانات التحليلية: مثل مدة البقاء على المواقع، نوعية التفاعل، عادات الشراء والدفع الإلكتروني.

– بيانات التجسس: التي تُجمع من قبل هيئات حكومية أو عبر هجمات إلكترونية لأغراض رقابية أو أمنية.

وتأتي هذه البيانات من مصادر مختلفة، منها المواقع التي نزورها (الطرف الأول)، أو أدوات تتبع خارجية مدمجة داخل المواقع (الطرف الثالث)، وحتى أنظمة التشغيل والهواتف الذكية التي ترصد استخدامنا اليومي.

 كيف تُجمع البيانات وأين تذهب؟؟

تتنوع أساليب جمع البيانات من ملفات تعريف الارتباط (Cookies) والتتبع، إلى ملء النماذج والاستبيانات، وتطبيقات الهاتف، وحتى عبر تسجيلات التصفح من دون علم المستخدم.

ورغم أن معظم المواقع تُعلم المستخدمين بسياسات الخصوصية وتطلب «موافقتهم»، إلا أن هذه الموافقة تكون غالباً مشروطة باستخدام الخدمة، ما يجعل الخيار الوحيد المتاح هو القبول.

هل يمكن إيقاف تتبع بياناتنا؟

نظرياً، نعم. يمكن للمستخدم إيقاف جمع بياناته عبر أدوات الحماية المتقدمة، أو حتى بالانفصال الكامل عن الإنترنت كما فعل الخبير الأمني إدوارد سنودن. لكن عملياً، يصعب على المستخدم العادي تجنب التتبع من دون أن يتأثر بأداء الخدمات المقدمة.

ورغم ذلك، توجد وسائل لتقليل كمية البيانات التي يتم جمعها، كاستخدام برامج «في بي إن»، ومتصفحات الإنترنت الآمن، وشبكات «تور»، لكن من المهم التنويه إلى أن وضع «التصفح الخفي» لا يمنع جمع البيانات فعلياً.

أربع خطوات سهلة لحماية بياناتك على الإنترنت

بعيداً من الحلول التقنية المعقدة، هناك خطوات بسيطة يمكن أن يتبعها المستخدم لحماية بياناته:

  1. 1. استخدام تطبيقات VPN وشبكات الاتصال الآمن

هذه التطبيقات تخلق شبكة وهمية مشفرة تحمي بيانات المستخدم من التجسس والتنصت، وتخفي عنوان IP الحقيقي.

  1. 2. استخدام عناوين بريد إلكتروني وهمية

بعض الخدمات توفر لك بريداً إلكترونياً مؤقتاً للاستخدام لمرة واحدة، ما يمنع ربط بياناتك الشخصية بالخدمة.

  1. 3. الاعتماد على متصفحات آمنة

متصفحات مثل Brave وDuckDuckGo تقدم مستوى أعلى من الخصوصية عبر منع التتبع والحماية من ملفات تعريف الارتباط.

  1. 4. اختيار خدمات تعزّز الخصوصية

مثل محرك بحث DuckDuckGo أو خدمات البريد الإلكتروني التي لا تتبع المستخدمين ولا تبيع بياناتهم.

من الصعب اليوم استخدام الإنترنت من دون ترك أثر رقمي، فكل حركة نقوم بها تخلق بيانات قابلة للتحليل والاستغلال. لكن إدراك هذه الحقيقة ليس سبباً للذعر، بل دافع لتبنّي سلوك رقمي أكثر وعياً، يوازن بين الاستفادة من التكنولوجيا والحفاظ على الخصوصية.

فالإنترنت قد يكون مجانياً في الشكل، لكنه ليس مجانياً في الجوهر. كل معلومة نشاركها هي ثمن ندفعه مقابل الوصول، وفي عالم تُباع فيه البيانات، يجب أن نُحسن اختيار ما نمنحه طواعية.

صحيفة الأخبار اللبنانية

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على الفيسبوك

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على التويتر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى