أحوال الدنيا

مشترك “سيد نصير”، لا “إبراهيم” عليه السلام !!

د. فؤاد شربجي

رغم أنه مر في الأسبوع الماضي بخفر ودون أن يركز عليه أحد، إلا أنه كان خبراً لافتاً حاملاً للكثير من التحذير، والإنذار، والخطر. إنه خبر حول اعتزام مجموعة فلسطينية إقامة إمارة في الخليل بالضفة الغربية مستقلة عن السلطة الفلسطينية. والأكثر تحذيراً في الخبر كان في أن (إمارة الخليل) هذه تعمل وتسعى للانضمام إلى الاتفاقات الإبراهيمية. الأمر يتضمن تفتيتاً للأساس المؤسس للدولة الفلسطينية المأمولة “الأرض”. كما أنها خطوة في تقسيم الجماعة الوطنية الفلسطينية في عملية ضرب لوحدة الشعب الفلسطيني، وإلغاء لجوهر الدولة الفلسطينية كحق وطني للفلسطينيين. والأخطر أن كل ذلك سيكرّس ضمن “الاتفاقات الإبراهيمية” آخر متحولات الصهيونية الخبيثة ضد وحدة العرب وحقهم في منطقتهم، ودورهم الحضاري النابع من عروبتهم الحضارية المنفتحة على الآخرين و الأكوان في تحقيق الحق والخير والعدل والجمال.

‏للنجاة من هذا الفخ لا بد أن نذكر بأصل فكرة الحل الإبراهيمي، حيث ولدها شيطان سجين صنفته أمريكا كإرهابي لأنه قتل الحاخام مئير كهانا عام 1990 في نيويورك. السجين “سيد نصير” أمريكي من أصل عربي. سجن في قضية قتل كاهانا. وليتخلص من محبسه ابتكر شيطانه بشكل خبيث فكرة (المشترك الإبراهيمي) كأساس للتطبيع ونسف القضية الفلسطينية. وأرسل نصير مقترحه إلى هيلاري كلينتون عام 1991 ولم يلق جواباً. وأعاد إرسال المقترح مراراً حتى أتاه رد من تشيني يقول (وصلت رسالتك). وكمكافأة له على مقترحه اقتربت السلطات الأمريكية من إطلاق سراحه بذريعة أن فوارغ الرصاصات القاتلة لم تتطابق مع ما يدينه. لكن نصير لم ينل جائزته، و لم يطلق سراحه لأن إسرائيل ضغطت على أمريكا لإبقائه في السجن كونه قاتل كاهانا. وهكذا أطلق سيد نصير المقترح الإبراهيمي دون أن ينال مكافأته بالحرية وبقي في السجن. وكانت تهمته قتل كاهانا لكنه بات باقتراحه الشيطاني قاتلاً للقضية الفلسطينية، ولحقوق الفلسطينيين، وللقضية العربية برمتها. إنه مشروع وله سجين مصنف إرهابياً حاول به التخلص من السجن، فزج بالحقوق الفلسطينية، والمستقبل العربي، في سجن أقصى، وربما في قبر عميق، وسماه افتراء وتعدياً باسم إبراهيم وإبراهيم عليه السلام منه براء. إنه شيطان سيد نصير وليس روحية إبراهيم عليه السلام.

‏رغم أن السلطات الأمريكية صنفت سيد نصير إرهابياً إلا أنها وجدت في مقترحه فكرة تناسب شياطينها مع متطلبات المصالح الأمريكية والصهيونية. ولضرورات تمرير هذا المقترح من السياسة والإعلام قامت المؤسسة الأمريكية الصهيونية بعملية غسيل لهذا المقترح تخلصه من نسبه إلى نصير الإرهابي، وكلفت لذلك جامعة هارفرد بدراسة الأمر. وبعد بحث واستقصاء مزعومين في دول المنطقة انتهت عملية هارفرد من غسل شيطان نصير ليصبح “مشروع هارفارد”، وهي أكبر مؤسسة علمية في العالم. وسمي بمقترح (المشترك الإبراهيمي) الذي يبدأ ب “مسار إبراهيم” كسياحة. ويشمل هذا المسار ما يسمى بـ (إسرائيل الكبرى). وينتهي بهندسة جيوسياسية للشرق الأوسط تتوهم قيام (الولايات المتحدة الإبراهيمية) حيث تسود إسرائيل على جميع شعوب وحضارات المنطقة. إنها عملية غسيل لشيطان الإرهابي سيد نصير وإخراجه بهيئة دراسة روحية دبلوماسية سكانية حضارية.. كم من الشياطين في مثل هذه الدراسات والمشاريع؟؟؟!!!
‏أصحاب “إمارة الخليل” وبدفع إسرائيلي يريدون إقامة وهم (الإمارات الفلسطينية المتحدة) بديلا للدولة الفلسطينية الموحدة والواحدة. المسار الإبراهيمي يريد جعل المنطقة كلها اتحاد إمارات الإبراهيمية تحكمه بنفوذها إسرائيل. ولا يحتاج المرء إلى كثير ذكاء ليرى الرابط بين كل ما يجري في المنطقة وبين خبر إمارة الخليل، وبين نشاط الرئيس ترامب الذي يريد الإسراع باستكمال ما تبقى من الاتفاقات الإبراهيمية عبر تهيئة وضم دول المنطقة فيها. يريد ترامب ويطالب بمكافأة على إنجازه الاتفاقات الإبراهيمية. يطالب بجائزة نوبل للسلام ليتوج كبطل للسلام.
‏بعدما أصبح الحل الإبراهيمي شبه أمر واقع قد لا نقوى على رده أو رفضه ، وبعد أن تكرس بفعل تراكم إنجازات إسرائيل الاستخباراتية والعسكرية في المنطقة. وبهدف فرض أمريكا الهيمنة على كل شيء في بلادنا، يطرح الحل الإبراهيمي على العرب تحديا كبيرا يستدعي الإعداد والاستعداد له بقوة مناسبة تحمي العرب من التلاشي في ظل هذا الحل. وهذا يعني الاستعداد بالقوة المناسبة العلمية، الإنتاجية، الاستثمارية، الثقافية، والأهم بقوة الوحدة المجتمعية، وبناء الدولة المحققة للحكم الرشيد. فإذا كانت الحرب تستلزم قوة متعددة، فإن السلام وخاصة “الإبراهيمي” وما يؤدي إليه يستلزم قوة أعمق وأشمل وأكثر يقظة وعياً. فهل نحن فاعلون؟؟!!

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى