نوافذ

على مهل

اليمامة كوسى

في عصرٍ يسمّونه عصر السرعة، استيقظت فتاةٌ تحبّ البطء وتشعرُ أنّهُ أكثر ما يقي المرء من الجنون وسط هذا العالم اللاهث وراء كلّ شيء. كان لديها موعدٌ هام ولم يكن عليها أن تتأخّر لذا حرصت على وضع الماسكارا بهدوء كما لو كانت ترسم بالألوان المائيّة، كانت تعلم عاقبة التسرّع في هذا الأمر وكم من الوقت سيكلّفها إصلاحُ ما تسبّبت به السرعة الزائدة، الموسيقى في الخلفيّة كانت تدعم رأيها في التمهّل وهي ترافق صوت فيروز العذب بينما تغنّي أغنيتها الشاعريّة  “على مهلك يبا على مهلك”.

كانت تفكّر بأنّ معظم الناس باتوا مغرمين بكلّ ما هو سريع ولا يستهلك وقتاً، لم يكن يحتاج إثبات هذا الأمر في نظرها أكثر من التأمّل بضع ثوان في ما هو مسيطر على الواجهة اليوم؛ المقاطع السريعة، الوجبات السريعة، الإيقاعات السريعة، العلاقات السريعة، الأعمال والإنجازات السريعة، وكلّ ما يمتاز بقصر طُرق الوصول إليه.

فكّرت بأنّهم غالباً لا يخافون تضييع الوقت وإنما يخافون أن يستغرقهم التأمّل في شيء فتفوتهم أشياء. كانت نظرتها للأمور معاكسة تماماً؛ فكّرت بأنّ زيادة سرعتنا للوصول إلى موعد ما قد تكون مهمّة لكي لا نفوّت ذلك الموعد، لكن ماذا عن الأمور الهامّة الأخرى التي سنفوّتها ونحن راكضين للّحاق به؟ هل حقّاً نحن بذلك الركض المتواصل نعيش الحياة أم أننا نركض خلفها وحسب؟!

لم تكن تشعر بأنّ الإجابة صعبة لكنها تعرف بأنّها ليست واحدة لدى الجميع، بالنسبة إليها لم تكن الحياة يوماً سباقاً عليها أن تظلّ تركض فيه إلى ما لا نهاية، كانت تراها رقصة فريدة تحتاج إلى مواءمة حركتِها مع إيقاعاتها برويّة تامّة لكي تستطيع تأديتها بالشكل الأفضل.

وفي غمرة تلك الأسئلة والأجوبة وصلت إليها من المطبخ رائحة القهوة التي كانت تعدّها والدتها، فكّرت بأنّ القهوة لا يمكن أن تُصنَع بسرعة مهما كان صانعها على عجلة من أمره، عليها أن تغلي على مهل لكي تأخذ لذّة مذاقها، وعلى اعتبار أنّ الموعد لم يكن ليهرب فيما لو أمضت بضع ثوانٍ تتأمّل رائحة البنّ المغليّ وتثني على براعة أمّها في إعداده، استغرقت وقتها في إتمام كلا الأمرين ثمّ حزمت حقيبتها دون أن تنسى أن تثني صفحة الكتاب المفتوح على الطاولة لكي تتذكّر إلى أين وصلت فيه، وهمّت بالخروج.

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على الفيسبوك

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على التويتر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى