علوم وتكنولوجيا

ثورة في التكنولوجيا: البديل اليساري لـ الذكاء الاصطناعي

إن التطور السريع والاندماج المتزايد للذكاء الاصطناعي في مختلف مجالات الحياة قد أثارا نقاشات واسعة حول انعكاساته على المجتمع والاقتصاد والعلاقات الإنسانية. ويزداد القلق من أن المسار الحالي لتطوّر الذكاء الاصطناعي، الذي تقوده إلى حد كبير المصالح الشركاتية، قد يفاقم من عدم المساواة الاجتماعية القائمة ويقوّض القيم الديمقراطية.

ردًا على ذلك، بدأ يتبلور بديل يساري له، يقوم على ضرورة أن تخدم التكنولوجيا مصالح المجتمع الأوسع، لا أن تكون وسيلة لتكديس الثروة في أيدي قلّة. هذا التوجه يدعو إلى تطوير أكثر شمولًا وعدالة وشفافية ، يضمن أن تكون منافعه متاحة للجميع وأن يتم التخفيف من مخاطره.

البديل اليساري لـ الذكاء الاصطناعي

جوهر هذا البديل يتمثل في فحص نقدي لبنى القوة والأنظمة الاقتصادية التي يقوم عليها المشهد الراهن للذكاء الاصطناعي. فهو يتحدى النموذج النيوليبرالي السائد الذي يعطي الأولوية للكفاءة والإنتاجية والربح على حساب الرفاه الإنساني والعدالة الاجتماعية أيضا.

ويؤكد المدافعون عن البديل اليساري أن الذكاء الاصطناعي يجب أن يطوَّر ويستخدم بطرق تعزز الملكية الجماعية، والسيطرة الديمقراطية، والصالح العام أيضا. وقد يشمل ذلك مبادرات مجتمعية للذكاء الاصطناعي، ونماذج للملكية التعاونية، واستثمارات عامة في البحث والتطوير تضع الأهداف الاجتماعية والبيئية في المقدمة.

كما يتم التشديد على ضمان أن تكون الأنظمة شفافة وخاضعة للمساءلة وخالية من التحيزات التي تعيد إنتاج التمييز واللامساواة. ويتطلب ذلك مقاربة متعددة الاختصاصات، لا تقتصر على خبراء التقنية، بل تشمل علماء الاجتماع والأخلاقيات وممثلي المجتمعات المحلية في تصميم وحوكمة هذه التقنيات.

يسلط البديل اليساري له و  الضوء أيضًا على أهمية حماية حقوق العمال وتعزيزها في عصر الأتمتة. فمع إحلاله والأتمتة محل بعض الوظائف، تبرز الحاجة إلى شبكة أمان اجتماعي قوية. وبرامج مستمرة للتعليم وإعادة التأهيل المهني. إضافة إلى ضمان الدخل الأساسي الشامل بما يكفل مستوى معيشيًا لائقًا للجميع أيضا.

الاتفاقات الدولية أمرًا ضروريًا لوضع معايير وقواعد مشتركة لاستخدام وتطويره

ويتجاوز هذا المنظور النطاق المحلي ليطالب باستجابة عالمية لتحدياته، إدراكًا بأن تأثيراته لا تقف عند حدود الدول، لذلك يصبح التعاون والاتفاقات الدولية أمرًا ضروريًا لوضع معايير وقواعد مشتركة لاستخدام وتطويره ، لمنع سباق تنافسي مدمر وضمان أن يخدم الذكاء الاصطناعي البشرية جمعاء.

قد يرى منتقدو هذا البديل أن مثل هذا النهج قد يعرقل الابتكار أو يقلل من الفوائد المحتملة للذكاء الاصطناعي. لكن أنصار البديل يؤكدون أن بناء منظومة أكثر عدالة وديمقراطية يمكن أن يقود في المدى الطويل إلى تطورات تكنولوجية أكثر استدامة ونفعًا أيضا. فمن خلال إعطاء الأولوية للاحتياجات الإنسانية والعدالة الاجتماعية، يسعى البديل اليساري إلى خلق مستقبل تكون فيه التكنولوجيا أداة لتحسين جودة حياة الجميع. وليس امتيازًا محصورًا في قلة.

هذه الرؤية ليست خالية من التحديات. إذ تتطلب تحولات عميقة في طريقة تفكيرنا بالتكنولوجيا والاقتصاد والمجتمع أيضا. ومع ذلك، وأمام التداعيات العميقة للذكاء الاصطناعي، يقدم البديل اليساري منظورًا نقديًا وأملاً حقيقيًا في آن واحد. يفتح المجال لتصور مستقبل تسخّر فيه التكنولوجيا للصالح العام.

إن تطوير هذا البديل عملية مستمرة تتطلب الحوار والتجريب والعمل الجماعي، ومشاركة طيف واسع من الأطراف الفاعلة: من صناع السياسات إلى التقنيين والناشطين وممثلي المجتمعات. ومن خلال هذا الجهد التشاركي، يمكن صياغة ذكاء اصطناعي يخدم البشرية بحق، ويعزز العدالة والمساواة والسلام.

البديل اليساري منارة أمل لمستقبل أفضل.

ورغم أن الطريق نحو هذا الهدف سيكون معقدًا وشاقًا. إلا أن المكاسب المحتملة هائلة. فنحن اليوم نقف عند مفترق طرق بين التقدم التكنولوجي والتحولات الاجتماعية أيضا. حيث يشكل البديل اليساري للذكاء الاصطناعي منارة أمل لمستقبل أفضل. وهو يذكّرنا بأنه ليس مسألة تقنية فحسب، بل قضية سياسية واجتماعية عميقة تتطلب فهمًا نقديًا لمفاهيم السلطة واللامساواة والعدالة أيضا.

ومن خلال تبنّي هذا المنظور، يمكننا المضي نحو ذكاء اصطناعي يعزز الكرامة الإنسانية ويدعم التضامن الاجتماعي. كما ويسهم في بناء عالم أكثر استدامة وعدالة أيضا.

في جوهره. يتمحور البديل اليساري للذكاء الاصطناعي حول إعادة تصور العلاقة بين التكنولوجيا والمجتمع والإنسانية . بهدف بناء مستقبل أكثر عدلًا وإنسانية وكرامة للجميع.

* هذه المقالة كتبت بالإنكليزية في الأصل. كتعقيب على أحد فصول كتاب رزكار عقراوي “الذكاء الاصطناعي الرأسمالي: تحديات اليسار والبدائل الممكنة”. الذي نشر في الموقع اليساري العالمي أيضا.

وقد تضمّنت النسخة الإنكليزية رابطًا مباشرًا إلى أحد فصول الكتاب في نهاية النص. وتتناول المقالة بشكل مختصر القضايا التي طرحها الكتاب.  كما وتشكل مساهمة قيمة في الحوار المستمر حول الرؤية اليسارية له. كما نشرت أيضًا بشكل مستقل في موقع إنكليزي يهتم بأهم الأخبار والأحداث والإصدارات في العالم أيضا.

 

ميدل إيست أون لاين

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على الفيسبوك

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على التويتر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى