أحوال الدنيا

من سايكس- بيكو إلى براك – نتنياهو!!

د. فؤاد شربجي

من الواضح أن توماس براك ليس مبعوثا امريكياً إلى سوريا فقط بل هو (الوالي الأمريكي) على عموم بلاد الشام. وكان معبراً عن مهمته عندما هاجم اتفاق سايكس بيكو الذي أنشئت بموجبه دول بلاد الشام. وكان إيحاؤه جلياً بضرورة إعادة تشكيل القوى (لا الحدود فقط) في بلاد الشام، بما يعبر عن المصالح الأمريكية في المنطقة.

‏بالمقابل وحتى قبل تكليف براك ببلاد الشام (سوريا ولبنان وفلسطين والأردن)، أستثمر نتنياهو في عملية “طوفان الأقصى” معلنا توجهه إلى القضاء على الحقوق الفلسطينية السياسية في إقامة الدولة الفلسطينية، ضمن مشروعه في (تغيير وجه الشرق الأوسط). وهذا التغيير يمكن قرأته على أنه نسف لاتفاق سايكس بيكو، ولو على مستوى إعادة هندسة القوى في المنطقة. وليس صعباً ملاحظة مدى تكامل المشروع الأمريكي، الذي ينفذه توماس براك في بلاد الشام، مع المشروع الصهيوني الذي ينفذه نتنياهو في الشرق الأوسط أي بلاد الشام الكبرى.

‏بالتدقيق، فإن مساعي براك في لبنان تسعى لنزع قوة لبنان المتمثلة بوحدته الوطنية، وحشر الدولة في زاوية تضطرها لاتخاذ قرارات ضد حزب الله تؤدي إلى الفتنة. كما أن جهوده في سوريا لم تنتج أي حل مع قسد حتى الأن. ولم تجنب الادارة الجديدة أزمة أو كارثة الساحل. كما أنه لم يساعد في حل الخلاف مع الدروز الأمر الذي أوصل إلى مصيبة السويداء. والآن لا يجد براك إلا تأييد إقامة “معبر إسرائيلي” لمساعدة السويداء إنسانياً، وهذا يدفع إلى اتاحة الفرصة والمجال أمام إسرائيل لتدس أصابعها في أخطر أزمة تهدد الوحدة الوطنية السورية. براك بدلا من مساعدة الإدارة الجديدة، ودفعها نحو إجراءات تعيد خلق الوحدة الوطنية وترسخها وتقويها، وبدلا من العمل على المصالحة مع الساحل والسويداء، يميل إلى الضغط عليها لإنجاز معبر إسرائيلي ليس إلى السويداء فقط، بل إلى مركز بلاد الشام وموطن قوتها وسرة حياتها، سوريا.

‏بالمقابل كشف نتنياهو في 12 آب الجاري، بتصريح على قناة إسرائيل 24، عما يقصده بتعبير (تغيير وجه الشرق الأوسط)، عندما أعلن أن (تحقيق “إسرائيل الكبرى” هي المهمة التاريخية الروحية التي يعمل على تنفيذها. وأن كل ما يفعله هو من باب حمله لإرث أجيال اليهود الذين حلموا بعودة كاملة إلى أرض إسرائيل) ويؤكد أن هذا الحلم بات في متناول اليد بسبب القوة العسكرية الهائلة التي تملكها إسرائيل وتتيح لها تحقيق الوعد الإلهي (أو الخرافة التوراتية). إذن تغيير وجه الشرق الأوسط الذي أعلنه نتنياهو ما هو إلا تحقيق خرافة إسرائيل الكبرى، التي لا تقوم إلا باحتلال أراض واسعة من السعودية ومصر وتركيا والعراق والأردن وسوريا. وهذا التوسع الاستيطاني الإسرائيلي مؤيد ومدعوم من أمريكا. ألم يقل ترامب أن أرض إسرائيل الحالية صغيرة عليها. وغير كافية للشعب الإسرائيلي؟؟؟ وهل يمكن لتوماس براك ألا يعمل إلا وفق رؤية رئيسه الذي ضم الجولان لإسرائيل، واعترف بالقدس عاصمة أبدية لها؟؟؟

‏التغيير الجاري في بلاد الشام تقوم به أمريكا وتنفذه إسرائيل، وتوماس براك الذي يشرف على التغيير المنشود في لبنان وسوريا، مستندا لنشاطه كسفير في تركيا، مستعينا بالدور الواسع للأردن بالمنطقة وبالقوة الاقتصادية والجيوسياسية للسعودية، يقود براك هذا التغيير بالتفاعل الإيجابي مع ‫نتنياهو الذي نفذ مقدمات هذا التغيير الميدانية، والمستمر بالإجهاز على القوة العسكرية السورية، والتدخل بخلق الفتن بين مكونات الشعب السوري. مستغلا أخطاء وتعصبات وايديولوجيات تجاهلها براك. ولم يعمل مع الإدارة الجديدة على حلها ومعالجتها لتفادي مصائبها وهكذا فإن براك ممثلاً لأمريكا يعمل على تحقيق مصالح بلاده برسم صورة للشرق الأوسط (بلاد الشام)، مؤلفه من دول محتقنه، ضعيفة، تجلس على حافة فتن متحفزة، مع دعم عميق وواسع لإسرائيل. كي تحصل على أمنها، الذي لا يتحقق إلا بالتوسع إلى المساحات والأراضي الكافية للوعد الإلهي أو الخرافي. وإذا كان براك لا يقول “إسرائيل الكبرى” صراحة، فإن نتنياهو صار يتشدق بها متفاخراً بأنه حامل المهمة الإلهية. التي ليست أكثر من خرافة صهيونية. لا تقر بها أرض ولا سماء!

‏المنطقة. الشرق الأوسط. بلاد الشام. يجري العمل على تغييرها من خريطة سايكس- بيكو إلى وضعية براك- نتنياهو. فماذا سيفعل العرب أصحاب الأرض التي سيضمها نتنياهو إلى حلمه وهو يحقق “إسرائيل الكبرى”؟؟!! مع ملاحظة أن الاستنكار لا يوقف اجرام واستيطان وإبادة نتنياهو التي يهدد بها المنطقة بدءا من جنوب لبنان إلى سورية إلى غزة. الاستنكار لا يجدي يا سادة يا كرام!!!

بوابة الشرق الوسط الجديدة

 

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على الفيسبوك

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على التويتر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى