افتتاحية الموقع

الترامبية السياسية في إدارة العالم: قراءة في البراغماتية المصلحجية

ماهر عصام المملوك

لا يمكن فهم الترامبية السياسية من دون التوقف عند خطابات دونالد ترامب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في ٢٤/٩/٢٠٢٥، إذ حملت هذه الخطابات رسائل عميقة تتعلق بمفهوم السيادة، وإعادة تعريف النظام الدولي، ومبدأ «أمريكا أولاً». هذه الخطابات شكّلت نافذة لفهم كيف يرى ترامب العالم والدور الأمريكي فيه . ومن هنا تأتي الحاجة إلى دراسة مفصّلة لهذه الخطب وتحليل مضامينها الرمزية والسياسية والاقتصادية، لأنها تمثّل التطبيق العلني لأفكاره حول البراغماتية المصلحجية في السياسة العالمية.

فمفهوم البراغماتية المصلحجية كركيزة اتضحت بشكل جلي منذ صعود ترامب إلى سدة الحكم عام 2016، ظهرت ظاهرة سياسية متكاملة أُطلق عليها اسم «الترامبية». تقوم هذه الظاهرة على مبدأ «أمريكا أولاً»، وهو ليس جديدًا على السياسة الأمريكية، لكن الجديد هو درجة الصراحة والعلنية في تطبيقه. في خطابه بالأمم المتحدة عام 2017، دعا ترامب الدول الأعضاء إلى احترام «سيادة» كل دولة والعمل من أجل مصالحها الوطنية أولاً، وهو ما مثّل قطيعة مع الخطاب الليبرالي التقليدي الذي يتحدث عن «القيم المشتركة» (UNGA Speech, 2017). على الأرض، انعكس ذلك في مطالبة حلفاء الناتو بزيادة مساهماتهم المالية، وإعادة التفاوض على اتفاقيات التجارة مع الصين والمكسيك وكندا، والانسحاب من اتفاقيات كبرى مثل اتفاقية باريس للمناخ (Council on Foreign Relations, 2019).

بالواقع لا يمكن فصل الترامبية عن خلفية ترامب كرجل أعمال عالمي. فقد تعامل مع السياسة مثل إدارة صفقة تجارية: مكاسب وخسائر، مساومات وضغوط، وتسويق إعلامي مستمر. هذه الخلفية سمحت له باختراق قوالب السياسة التقليدية في واشنطن والتعامل مع الخصوم بطرق غير مألوفة، كما ظهر في لقاءاته مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون أو في رعاية اتفاقيات أبراهام بين إسرائيل وعدة دول عربية (The Washington Institute, 2021).

وتُعدّ الترامبية مشروعًا إعلاميًا بامتياز. استخدم ترامب تويتر وخطاباته المباشرة للجماهير ليخلق صلة دائمة مع قاعدته الانتخابية متجاوزًا الإعلام التقليدي. هذا النمط عزز صورته كمنقذ من «النخب السياسية الفاسدة»، وسمح له بالبقاء فاعلًا رغم خسارته الانتخابات عام 2020. حتى بعد خروجه من البيت الأبيض ظل حضوره مؤثرًا في المشهدين الأمريكي والدولي .

فالترامبية قدّمت نفسها ردًّا على تصوّر تراجع مكانة الولايات المتحدة العالمية. من خلال خطابات الأمم المتحدة وسياساته العملية، أعاد ترامب تعريف مفهوم القيادة الأمريكية وأكد قدرة واشنطن على إعادة فرض نفسها مركزًا للقرار العالمي (Kagan, 2018). تحققت تغييرات ملموسة في السياسة التجارية والضغط على الحلفاء والخصوم، إضافة إلى إعادة رسم خرائط الدبلوماسية في الشرق الأوسط عبر اتفاقيات التطبيع.

بتجرد فإن قوة الترامبية تكمن في كونها مدرسة سياسية قائمة على التطبيق العملي للبراغماتية الممزوجة بحسابات البزنس. خطابات الأمم المتحدة أظهرت كيف صاغ ترامب رؤية عالمية مباشرة ومصلحجية تضع المصالح قبل القيم. ومن هنا يمكن القول إن دراسة الترامبية بما فيها خطاباته الأممية  يجب أن تكون جزءًا من مناهج العلوم السياسية والإدارة العامة لأنها تمثل ظاهرة تتجاوز الشخص إلى النظام ككل .

في ختام القول ومختصره ،

سواءً أحبّه البعض أو كرهه آخرون، فإن دونالد ترامب يمثّل نموذجًا سياسيًا جديدًا في إدارة العالم يعتمد على الجرأة والصفقة المباشرة والتواصل الشعبوي والإعلام المكثف. خطابات الأمم المتحدة أظهرت كيف تتجسد الترامبية عمليًا في المحافل الدولية. هذه الظاهرة ليست مجرد مرحلة عابرة بل هي انعكاس لتحولات أعمق في السياسة الأمريكية والعالمية نحو مزيد من الواقعية الصارمة وإعادة تعريف المصالح الوطنية. وإذا كان لترامب إرث، فهو أنه حوّل السياسة الأمريكية إلى مختبر علني للبراغماتية المصلحجية، وأجبر العالم على إعادة حساباته تجاه الدور الأمريكي ومستقبل النظام الدولي.

بواة الشرق الأوسط الجديدة

 

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على الفيسبوك

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على التويتر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى