
عن جد شاطر، منذ خروجه من رئاسة وزراء بريطانيا منذ حوالي الثلاثين عاما لم يجلس في بيته دون وظيفة. من رئاسة “اللجنة الرباعية” حول الشرق الأوسط إلى مستشار لحكام وحكومة عربية غنية طبعا، إلى وسيط هنا، إلى سمسار هناك، إلى مدير مؤسسة للاستشارات السياسية والاقتصادية، خاصة شؤون الصفقات النفطية. والآن ها هو ترامب يعلن أن الشاطر طوني (يحب ويريد أن يشارك في حكم غزة). وهكذا يحصل الشاطر على وظيفة جديدة يشارك فيها ترامب الملك حكم الفلسطينيين في غزة. الشاطر طوني يحصل على وظيفة (نائب الملك) وسيحكم غزة. كما اقنع ترامب والجميع بخطته التي جعلها الأشطر منه “ترامب” باسمه، وطوبها ضمن ملكيته ليمد ملكه عليها، وسيترك للشاطر طوني وجع راس الأعمال اليومية والتخطيط ورسم السياسات والإشراف على التنفيذ كنائب للملك، وكوصي على غزة وشعبها.
ليس صحيحا أبدا أن هم الشاطر طوني هو تحقيق السلام. ولا تصدقوا ما أوردته النيويورك تايمز من أن هدفه (تنظيف وإصلاح إرثه) الذي توسخ ودمر من خلال لحاقه بجورج بوش الابن، ومشاركته في غزوة العراق وتدميره. بناء على كذبه يعرف أنها كذبة، ولا يمكن لعاقل أن يبلع ما قاله في كتابه، الذي نشره قبل سنة، والذي وجهه لمساعدة القادة المنتخبين حديثا. حيث نصحهم في الكتاب أن (يهتموا بإرثهم وهم ما زالوا في مكاتبهم وقبل أن يغادروها). ويعترف لهم أنه ينصحهم بهذا الأمر الذي لم يفعله هو. فوسخ إرثه وضيعه. يعني يريد طوني أن يقنعنا أنه يطلب حكم غزة، ويتوسل ليكون نائب الملك ترامب في غزة (ليس في كاليفورنيا)، لا لشيء إلا ليرمم ويصلح ويستعيد وينظف إرثه الذي وسخه بعار الغزو، ثم ضيعه بخدمة جنون بوش.
القصة ليست قصة إرث معطوب أو موسخ بعار الغزو والعدوان. وليست قصة وظيفة جديدة لمتقاعد ملول. القصة قصة إرث مستمر ممتد، واي وسخ واي غلطة يعترف بها طوني، هي من باب الشطارة التي تتيح له الاستمرار في سياق هذا الإرث العضوي بل الجيني في وساخة شخصيته وممارسته. والقصة ليست قصة وظيفة جديدة لباحث عن عمل. بل هي قصة وظيفة مستمرة وممتدة ومتطورة ومتقدمه على نفس الخط ونفس الوساخة. وظيفة الشاطر طوني في خدمة السياسات الأمريكية بدأت من دوره في إصلاح حزب العمال البريطاني الذي حوله إلى حزب محافظين يميني على الطراز الأميركي مع إبقاء لافتة “العمال” في عنوانه. وامتدت وظيفته إلى تبرير وتحضير العالم والمشاركة في غزو العراق بناء على كذبة شارك في تلفيقها. غزو العراق الذي دفع المنطقة العربية إلى مسار منزلق لم ينته. وما غزة إلا محطة في سياق انهيار مستدام ومتفاقم للمنطقة برمتها. وظيفة بلير لما لا يتذكر امتدت ليعينه أوباما في العام 2009 رئيسا للجنة شكلها حلف الناتو لدراسة أوضاع دول الشرق الأوسط، دولنا يعني، وسميت يومها “لجنة الحكماء” وفي الحقيقة كانت “لجنة الخبثاء” التي قررت برئاسة الشاطر طوني أن دول الشرق الأوسط شاخت وفسدت ولابد من إسقاطها. من هذه النقطة انطلق ما سمي “الربيع العربي” الذي لم يسقط الأنظمة فقط، بل أسقط المعارضات الديمقراطية أيضا. وعم الإرهاب. وأسقط المجتمعات والدول. ودفع المنطقة إلى التشرذم والطائفية والفوضى. هذا جزء من إرث الشاطر طوني. أما عمله في الرباعية الدولية حول فلسطين فلم ينتج إلا تضيع الحل، والمراوحة المميتة التي سهلت لإسرائيل استكمال كل أدواتها لإلغاء فلسطين كقضية وكشعب وكحقوق وطنية وكبشر. إبادة للبشر وإبادة للحقوق الوطنية وإبادة للتاريخ الحقيقي وتوسيع لاحتلال الجغرافية الفلسطينية.. أي أنه اتاح لإسرائيل القيام بعملية ابتلاع كل ذلك مع ابتلاع الجغرافيا وإطلاق اسم ريفيرا بوقاحة على غزة. (بقى يا سيد طوني لا تقول لنا أنك تريد تنظيف وإصلاح إرثك. يا شاطر إرثك واضح مستمر مستدام. ويبدو أن استمراره واستخدامه هو ما يؤمن لك الاستمرار في وظيفتك المتجددة) خذيت العين!
ملاحقاتنا لمساعي الشاطر طوني وحصوله على درجات متتابعة من وظيفته المستدامة المتجددة ليست من باب (الحسد أو ضيقة العين) لا سمح الله. بل من أجل فهم معنى ما جرى ويجري علينا. وما وقع ويقع في منطقتنا العربية. ومن أجل التأكد من دور الغرب في يلاوينا ومصا ئبنا التي ربما بدأت مع جورج بوش الإبن بغزو العراق. والتي تطورت مع أوباما في الربيع العربي. وتمادت مع ترامب في الاتفاقيات الإبراهيمية، وتستمر الآن في فرض (سلام وصاية) لحكم غزة كنموذج يراد تعميمه على دول المنطقة. وكحل مجرب لأي قضية تتعلق [ازمة أي دولة في المنطقة. والمفارقة أنه منذ غزو العراق والشاطر طوني لاعب أساسي وصاحب دور، وهو الأن في وظيفته المتجددة يعمل لإعادة هندسة أو بعثرة المنطقة العربية وخاصة دولها الهشة والمأزومة. في اللغة العربية صفة “الشاطر” كانت في الأصل تطلق على “الحرامي”. وفي الغرب يمكن اعتبارها تعبيرا عن “القرصان”. ودائما الشاطر أو القرصان هناك 40 من الحرامية أو القراصنة معه أو حوله. وعلينا ألا ننسى كل ذلك ونحن نفرح بوظيفة الشاطر طوني الجديدة. ونبارك له دوره الجديد المتطور كنائب للملك ترامب في التحكم بمصير شعب غزة، الذي لم يبقى لديه ما يتيح للشاطر طوني اللعب أو العبث فيه. وإذا كان حصول الشاطر طوني على وظيفته المتجددة نجاحا شخصيا، علينا أن نقول (خزيت العين)!. وإن كان هذا النجاح طريقا جديدة لاستكمال بعثرة منطقتنا وإنزال البلاوي والمصائب على أهلنا والعبث بدولنا وشعوبنا، علينا أن نقول (الله لا يوفقه ولا يوفق من معه،ولا يوفق من يسكت عليه).
بوابة الشرق الأوسط الجديدة