قوة دولية بإشراف أميركي ترسم ملامح وصاية على غزة

بينما تستمر النقاشات في الكواليس حول طبيعة القوة المنتظرة ومهامها وحدود صلاحياتها، تقول واشنطن أن هدفها الرئيس هو منع انهيار أمني شامل في القطاع الفلسطيني.
في خطوة توحي بملامح وصاية دولية على قطاع غزة، كشف مستشاران أميركيان بارزان مساء الأربعاء أن إدارة الرئيس دونالد ترامب بدأت فعليًا التخطيط لتشكيل قوة دولية بإشراف أميركي لإرساء الاستقرار في القطاع، ضمن ما يبدو أنه تحرك واسع لإعادة ترتيب المشهد الأمني والسياسي في واحدة من أكثر مناطق الشرق الأوسط توترًا.
ويأتي هذا التطور في إطار خطة ترامب المكونة من 20 بندًا بشأن غزة، والتي تسعى إلى إحلال الاستقرار وتهيئة الأرضية لإعادة الإعمار بمشاركة دولية وإقليمية واسعة، في ظل استمرار التوتر بين القوات الإسرائيلية ومقاتلي حركة حماس.
وفي سياق متصل قالت فرنسا اليوم الخميس إنها تعكف بالتعاون مع بريطانيا، وبالتنسيق مع الولايات المتحدة، على وضع اللمسات الأخيرة على قرار لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في الأيام المقبلة من شأنه أن يضع الأساس لنشر قوة دولية في غزة.
وفي حديثه للصحفيين في باريس، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية باسكال كونفافرو إن مثل هذه القوة تحتاج إلى تفويض من الأمم المتحدة لتوفير أساس قوي في القانون الدولي وتسهيل الحصول على مساهمات محتملة من الدول.
وأضاف “تعمل فرنسا بشكل وثيق مع شركائها على تأسيس مثل هذه البعثة الدولية التي يجب أن يتم إضفاء الطابع الرسمي عليها من خلال اعتماد قرار بمجلس الأمن”.
ويُعد إنشاء هذه القوة أحد المحاور الرئيسية في خطة ترامب المكونة من 20 بندًا بشأن غزة، والتي تهدف إلى إعادة الأمن وإطلاق عملية إعادة إعمار طويلة الأمد بمشاركة شركاء إقليميين ودوليين.
وبحسب ما أكده المستشاران خلال إحاطة مغلقة للصحفيين في واشنطن، فإن الولايات المتحدة وافقت مبدئيًا على إرسال ما يصل إلى 200 جندي لدعم القوة الجديدة، لكن دون نشرهم داخل غزة نفسها، حيث سيقتصر دورهم على التنسيق والمراقبة من خارج الحدود.
وقال أحد المستشارين إن “ما نتطلع إليه في المرحلة الحالية هو تحقيق حدٍّ أدنى من الاستقرار الميداني… الجهود بدأت لتأسيس هيكل أولي لقوة دولية قادرة على ضبط الوضع ومنع الانزلاق نحو فوضى جديدة”.
وأشارا إلى أن المحادثات جارية مع عدد من الدول للمساهمة في هذه القوة، بينها إندونيسيا والإمارات ومصر وقطر وأذربيجان، في ما يبدو أنه مسعى أميركي لتجميع تحالف متنوع يضم دولًا عربية وإسلامية.
وفي الوقت الراهن، يوجد نحو 24 خبيرا عسكريًا أمريكيًا في المنطقة للمساعدة في وضع التصورات الأولية للعملية، حيث سيتولون مهام “التنسيق والإشراف اللوجستي” إلى جانب مراقبة التحركات الميدانية للقوات الإسرائيلية والفصائل الفلسطينية.
وأوضح المستشاران أن الهدف من هذه القوة ليس خوض عمليات قتالية، بل تهيئة بيئة آمنة تسمح بعودة الخدمات الأساسية وبدء جهود إعادة الإعمار، مؤكدين أن واشنطن “تسعى إلى إشراك جميع الشركاء المحليين والدوليين الراغبين في المساعدة والمشاركة في إعادة الاستقرار إلى غزة”.
وفي سياق متصل، كشف المستشاران عن أن الولايات المتحدة تدرس إنشاء مناطق آمنة للمدنيين داخل القطاع، وذلك بعد قيام حركة “حماس” بإعدام سبعة رجال اتهمتهم بالتواطؤ مع إسرائيل في مدينة غزة. وتأتي هذه الخطوة المقترحة بهدف حماية السكان ومنع تكرار مثل هذه الحوادث في ظل الفوضى الأمنية السائدة.
وأضاف أحد المستشارين أن “لا أحد سيُجبر سكان غزة على مغادرة القطاع”، مشددًا على أن النقاشات الجارية تتركز حول إعادة إعمار المناطق التي خلت من المقاتلين وتهيئتها لعودة الحياة الطبيعية تدريجيًا.
وكان الرئيس ترامب قد أعلن في وقت سابق رغبته في إطلاق خطة شاملة لإعادة إعمار غزة، قائلاً إنه حصل على تعهدات مبدئية بالتمويل من شركاء دوليين وإقليميين، غير أن تنفيذ هذه الوعود، بحسب مستشاريه، “سيستغرق وقتًا طويلًا ويتطلب صبرًا سياسيًا وعمليًا كبيرًا”.
من جهة أخرى، تناول المستشاران قضية استعادة رفات الرهائن الإسرائيليين الذين قُتلوا خلال المواجهات في غزة، مؤكدين أن العملية ستكون معقدة وطويلة، إذ يُعتقد أن الجثامين مدفونة تحت الأنقاض والذخائر غير المنفجرة. كما يجري النظر في تقديم مكافآت مالية لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى تحديد مواقع الرفات وانتشالها.
وذكر موقع أكسيوس الأربعاء أن معلومات مخابرات إسرائيلية أطلعت عليها الولايات المتحدة تشير إلى أن حماس تستطيع الوصول إلى عدد من جثث الرهائن أكثر مما تقول.
وأضاف الموقع أن إسرائيل أبلغت الولايات المتحدة أن الحركة الفلسطينية لا تبذل جهودا كافية لاستعادة جثث الرهائن الإسرائيليين، وأن اتفاق غزة لا يمكن أن ينتقل إلى المرحلة التالية إلا بعد تغيير ذلك.
واستند تقرير الموقع إلى مسؤولين إسرائيليين اثنين ومسؤول أميركي.
وقد أعلنت “كتائب القسام” الذراع العسكري لحركة حماس، الأربعاء، حاجتها لمعدات لاستخراج ما تبقى من جثث أسرى إسرائيليين.
وقالت القسام، في بيان “لقد التزمت المقاومة بما تم الاتفاق عليه، وقامت بتسليم جميع من لديها من الأسرى الأحياء وما بين أيديها من جثثٍ تستطيع الوصول إليها” مضيفة “أما ما تبقى من جثث فتحتاج جهودا كبيرة ومعدات خاصة للبحث عنها واستخراجها، ونحن نبذل جهدا كبيرا من أجل إغلاق هذا الملف”.
وبينما تستمر المناقشات في الكواليس حول طبيعة القوة المنتظرة ومهامها وحدود صلاحياتها، تؤكد واشنطن أن هدفها الرئيس هو منع انهيار أمني شامل في القطاع وتهيئة أرضية سياسية لمرحلة ما بعد حماس، وسط ترقب دولي حذر لما يمكن أن تسفر عنه هذه الخطة في واحد من أكثر الملفات تعقيدًا في الشرق الأوسط.
ميدل إيست أونلاين