أحوال الدنيا

سوري يستثمر في “دبلوماسية المشاوي”!!

د. فؤاد شربجي

جوي لحام يهودي سوري هاجر من سوريا إلى نيويورك في ثمانينيات القرن الماضي وافتتح هناك عدة مطاعم استقطبت النخبة النيويوركية، وخاصة اليهودية. واقام علاقات واسعة مع نافذين ومسؤولين ومستثمرين وأصحاب مناصب. وامتدت أعمال جوي إلى السياسة حيث شارك الاستراتيجي الجمهوري (نيكولاس موزين) في شركة علاقات ولوبيات (ستونينغتون استراتيجز). ومع شراكته ضمن هذه الشركة ظل جوي لحام نشطا فاعلا في استثمار علاقاته مع زبائن المطعم من النخبة اليهودية، وهذا ما جعل دولة قطر تفكر بالتعاون معه كأحد السبل لإصلاح وتمتين العلاقات مع الرئيس ترامب عندما كان مناهضا لها. وهذا ما جعل مطعم اللحام للمشاوي في منهاتن “برايم جريل” منصة لأعمال استثمار في مجال العلاقات الإستراتيجية.

‏عندما ساءت العلاقات بين قطر ودول الخليج بسبب صلات الدوحة بإيران وحماس والإخوان المسلمين، وجرت محاولة عزلها ومحاصرتها، وصف ترامب قطر بأنها (تمول ايديولوجيا إرهابية). وعبر بذلك عن موقف سلبي بل عدائي تجاهها قبل دخوله البيت الأبيض العام 2016. وكأي دولة حريصة على مكانتها وعلاقاتها، ومهتمة بإنهاء عداوة الفاعلين الدوليين، بدأت قطر استراتيجية لاستعادة العلاقات الطبيعية مع الولايات المتحدة ووضع استراتيجية خاصة لتحسين العلاقة مع ترامب شخصيا عبر (دبلوماسية مال) تستهدف إقامة علاقات وشراكات مع يهود أمريكيين نافذين على استعداد للعمل والتكفل بتحسين صورة قطر أمام المسؤولين الفيدراليين وعلى رأسهم ترامب. ووجدت في شركة (ستونينغتون استراتيجيز) مدخلا عبر جوي لحام الذي أخذ قطر إلى ستيف ويتكوف باعتباره بابا واسعا يفضي إلى علاقة جيدة مع صديقه ترامب. ورتب لحام في العام 2017 لاجتماع في فندق سانت جيمس جمع فيه ستيف ويتكوف مع محمد ابن حمد الثاني شقيق الأمير تميم على ذمة تحقيق لنيويورك تايمز. وعند تأكد القطريون من عمق علاقة ويتكوف مع ترامب جرى اعتماده كأحد المسالك إلى قلب الرئيس الأمريكي ترامب. وبذلك يكون جوي لحام قد نجح في إيصال قطر إلى طريق يعيد لها العلاقات الطيبة مع ترامب.

وحسب إفصاحات شركة لحام الفدرالية فقد تقاضت شركته أربعة ملايين دولار مقابل ما فعله لحام بجمع قطر وويتكوف. طبعا قطر نفت مثل هذه الأخبار خاصة و أنها تندرج ضمن (استراتيجيات المال السرية). واستقال جوي لحام من العمل مع قطر بعد سنة من تعاونه معها والعمل لمصلحتها، واستمرت علاقة ويتكوف مع قطر حتى الآن. وعنونت النيويورك تايمز قبل شهر تحقيقا لها عنه بالعنوان (بينما يتوسط ويتكوف بين حماس وإسرائيل. ابنه يسعى لكسب استثمارات من قطر). وتقول الأخبار أن الأمير محمد ابن حمد آل ثاني شقيق الأمير سافر إلى كاليفورنيا العام 2024 لحضور زفاف الكس ابن ستيف ويتكوف. وهذا ما يدل على عمق العلاقة بين قطر وويتكوف. والعريس الكس هو من يتولى شؤون شركة ويتكوف العقارية مع قطر ومع غيرها. وهو شريك أبناء الرئيس ترامب. إنها استراتيجية استثمار للرئاسة التي يمارسها ترامب وأولاده وأصدقاؤه وأولادهم. والتي تقاطعت مع “دبلوماسية المشاوي” التي جعلت من جوي لحام الوسيط الفاعل في فتح أحد الأبواب بين قطر وترامب. باب اسمه ستيف ويتكوف.

‏مشاوي السوري جوي لحام هي أفضل مشاوي في منهاتن. وهي بحق الأولى في نيويورك. ومعه حق جوي أن يسمى مطعمه “قمة المشاوي” أو “نخبة المشاوي”، خاصة وانه يجمع على موائده نخبة أهل نيويورك ومن يعملون فيها من رجال أعمال ومستثمرين وسياسيين وماليين. مطعم نخبة سوري يستقطب ويجمع نخبة أصحاب القرار في نيويورك، وجوي يقيم العلاقات الوثيقة معهم ويجعل القول الشائع (أقصر طريق لقلب السياسي معدته، وأفضل وسيلة للتقرب منه المشاوي اللذيذة).  من هنا كان لجوي كل الحق أن يتجه للاستثمار في شركة استراتيجيات ولوبيات. خاصة وانه يملك علاقات (دبلوسية المشاوي) المتصلة بنخبة الفاعلين في نيويورك ويديرون سياسات أمريكا. ومطعم مشاوي جوي لحام مثال حديث عن فعل الاجتماع على الأكل الطيب في إقامة علاقات سياسية. وربما في تأسيس تحالفات بين دول، كما فعل جوي بخصوص التالف بين قطر ترامب عبر ويتكوف. وإن كنا عرفنا بهذه القصة فلابد أن هناك قصصا كثيرة مثلها لا نعرفها.

‏جوي لحام متمسك بسوريته كما يفهم ممن يعرفونه. وهو دائم الاتصال بالسوريين وبالبعثة السورية في نيويورك أيام النظام السابق. لكن كما هو واضح لم يفكر المسؤولون السوريون بالاستفادة منه ومن علاقاته بل ظلوا يتعاملون معه باعتباره (العشي) الذي يأكلون من ولائمه المجانية التي كان يقدمها لهم. صحيح قام هؤلاء بتحجيم جوي في كونه صاحب مطعم وعشي. ولكن الصحيح أكثر أنهم حبسوا أنفسهم في حالة “الأكلين العميان” عن إمكانيات وعلاقات جوي وعن مدى تأثيره. مغفلين تمسكه بسوريته التي كان يعبر عنها بتواصله المستمر معهم. جوي لحام قصة نجاح مهمة لسوري اضطر للهجرة. اما يهوديته فهي سورية أيضا.

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى