
استكمالاً لمشروعه الكتابي السابق «زواج المبدعين – ثراء المُتخيَّل وفقر الواقع»، الذي تناول فيه الحياة الزوجيّة لعدد من الكتَّاب والفنانين؛ أطلق الشاعر والناقد لبناني شوقي بزيع كتابه الجديد «المبدعون عشاقاً – فتنة اللاممتلك وسحر المنادى الغائب»
استكمالاً لمشروعه الكتابي السابق «زواج المبدعين – ثراء المُتخيَّل وفقر الواقع»، الذي تناول فيه الحياة الزوجيّة لعدد من الكتَّاب والفنانين؛ أطلق الشاعر والناقد لبناني شوقي بزيع كتابه الجديد «المبدعون عشاقاً – فتنة اللاممتلك وسحر المنادى الغائب» (دار المدى/ 2025).
شوقي بزيع : كتابه ملخَّصاً لسيَر حياة ثلاثين مبدعاً ومبدعةً حول العالم
يبدو الكتاب أقرب إلى مجموعة من المقالات، يستعرض بزيع عبرها ملخَّصاً لسيَر حياة ثلاثين مبدعاً ومبدعةً حول العالم، بين شعراء وروائيين ومفكرين وفلاسفة، بعضهم شخصيات من العالم العربي (ستة عشر نموذجاً بين معاصرين وتراثيين) وآخرون من العالم الغربي (أربعة عشر نموذجاً)، في أزمنة مختلفة تماماً. ممتدّة من العصر الجاهلي إلى القرن العشرين، مع التركيز على الجانب العاطفي في سيرهم، وثنائيّة الحبّ الأبرز التي عصفت بوجدانهم.
علاقات فاشلة
علاقاتٌ عاطفيّةٌ لم تكلّل بالزواج، بل تركت في قلوبهم ندوباً، قادت بعضهم إلى الأسى (مثل: أمين نخلة، وغسان كنفاني، والشاعرة التشيلية غابرييلا ميسترال. والفيلسوف الوجودي مارتن هايدغر) أيضا. وبعضهم إلى الانتحار (كما حدث لماياكوفسكي، ورموميليو أورتيا). كما وبعضهم إلى الموت الصادم (كما حدث لألبير كامو، وفروخ فرخزاد، وتوفيق صايغ). وقلّةٌ إلى الموت مقتولاً (كما حدث لوضاح اليمن)، وقلّةٌ إلى الجنون (كما حدث لقيس بن الملّوح).
وهكذا، تفسّر تلك الندوب العاطفية، وما نجم عنها من نهايات، العنوانَ الفرعي «فتنة اللاممتلك وسحر المنادى الغائب». الذي ارتبط بعنوان الكتاب الأساسي.
إذ نتج من هذا الألم العاطفي إبداع أدبيّ وفلسفيّ قلَّ مثيله. وكأنَّ هذا العنوان الفرعي باطنه استفهام استنكاري: هل ثمّة فتنة خاصّة للحبيب الذي لا نحظى بامتلاكه عن طريق عقد الزواج؟ وهل ثمّة سحرٌ للحبيب الغائب الذي غنّت له السيدة فيروز، ما كتبه ولحّنه ابن بلدة مشغرة. الشاعر والموسيقي زكي ناصيف: «بناديلك يا حبيبي، ما بتسمعلي ندا… حبيبي، يا حبيبي، ما لي غيرك حدا»؟ هل ثمّة لذة مازوشية في هذا النداء، الذي لا يحمل أي صدى مرتجع من الحبيب؟
شوقي بزيع في مقدمة كتابه : الزواج سجن المبدعين؟
يفتتح بزيع كتابه بمقدمة، تمتد على ما يقرب من العشرين صفحةً، يطرح فيها تساؤلات وجودية، من دون أن يقدّم للقارئ إجابات نهائيّة، منطلقاً من فرضية مفادها أن المؤسسة الزوجية التقليدية قد لا تكون الحاضنة الأمثل لأمزجة المبدعين العصية على التدجين. ثمّ ينطلق لاختبار هذه الفكرة عبر تتبع التجارب العاطفية لمجموعة من المبدعين، الذين وجدوا ضالتهم إما خارج إطار الزواج أو في علاقات تعذَّر فيها الزواج.
ما يطرح سؤالاً جوهريّاً، ينطبق على جميع القصص التي ضمّنها بزيع في الكتاب: هل العشق منفى المحبين أم ملاذهم الآمن؟ وبالطبع لا إجابة واحدة عن هذا السؤال. وهذا ما عكسه تناقض التجارب المذكورة بين مَن وجد في الحب ملجأً لإبداعه، ومن وجده سجناً لهواجسه: «رغم أنّ العلاقات العاطفية بين البشر لا تخضع لقواعد ومعايير ثابتة ونهائية، فإنّ التجارب الواردة في هذا الكتاب، لا تقود إلى الاستنتاج بأنّ أصحاب هذه التجارب، قد عثروا في العشق على مرفئهم الأخير ومسكنهم الآمن ومرساتهم الخلاصية.
وقد ذهب بعضهم إلى اعتبار الحب شبيهاً بالسم المموه بالحلوى، الذي تعدّه الحياة للطرفين الواقعين في حبائله، أو إلى تشبيهه بالحديقة المترعة بالملذات، التي سرعان ما تنقلب إلى مفازة شاسعة من الحيرة والتشرد الجسدي والروحي».
تعدّ فكرة الحرية بوصفها شريكاً أساسيّاً للإبداع، الفكرة الأكثر إلحاحاً في الكتاب. وكأنّ الحرية، على اختلاف القصص الثلاثين الواردة في الكتاب. واختلاف ظروفها وشخوصها والأزمنة والأمكنة فيها؛ هي الشريك الأمثل الذي يمكن أن يشاطر المبدعين نومهم ويقظتهم أيضا. بوصفها الهاجس الأوحد للخلق والابتكار. ما يظهر اللغة الإبداعيّة كعاشقة غيورة متملِّكة، لا تقبل ضرّةً أو شريكاً لها، سوى الحرية. أمر يطرح سؤالاً وجودياً حول إمكانية التوفيق بين الاستقرار العاطفي من جهة والمشروع الإبداعي من جهة ثانية!
العلاقة المعقّدة بين العاطفة والإبداع
يتميّز الكتاب بأسلوب الانزياح من التجريد إلى المحسوس، عبر تجنّب الحديث عن المفاهيم المجرّدة للحب.، والاتجاه بدلاً من ذلك إلى اقتفاء أثره عبر العلاقة المحسوسة الثنائية وأحياناً الثلاثية التي أطرت السيَر العاطفية للعشاق الذين اختارهم بزيع في كتابه. مستكشفاً عبر السرد العلاقة المعقّدة بين العاطفة والإبداع عبر مجموعة من التساؤلات الجوهرية، يمكن تلخيصها بما يأتي:
– هل ينبع الحبّ في نفوس المبدعين من شغفهم الجامح الذي يرفض التقييد، وقلوبهم المتعطشة للحياة، أم أن سرّ براعتهم يكمن في سطوة اللغة وإغواءاتها الساحرة التي لا يمكن مقاومتها؟ بمعنى آخر: هل الكامن في عواطف النفوس المبدعة رقّةٌ مفرطة أم مجرّد سحر كلمات؟
أيّ عوالمَ يصنعها الحبّ في حياة المبدعين؟ هل يبني فردوساً متخيَّلاً يهربون إليه بخيالهم الواسع، أم على العكس هو كالزواج جحيمٌ آخر،
يقيّد حريتهم الإبداعية؟
لماذا يوقِد الحبُّ جذوةَ الإبداع؟ ما السرّ الذي يجعل منه شرارة الإلهام الأقوى، التي توقظ كائن الكتابة من سباته. وتطلق العنان لنيران المعاناة الإبداعية، التي تلد منها أجمل القصص وأعمق الكلمات؟ كيف نفسّر ديناميكية العلاقات العاطفيّة، هل يخبو الحب باللقاء الدائم والاستقرار ويشتعل بالبَين ولوعة الغياب؟
صحيفة الأخبار اللبنانية



