فن و ثقافة

المسرح الراقص في وردة أشبيلية الذابلة

عماد نداف

خاص

عرضت دار الأوبرا السورية على مدار ثلاثة أيام في مطلع تشرين الثاني /نوفمبر عام 2025 مسرحية راقصة (ميوزيكال) بعنوان (وردة أشبيلية) للمخرج أحمد زهير، وبذلك تضيف دار الأوبرا إلى نشاطاتها، بعد سقوط النظام السابق ، تنوعاً لافتاَ يرد على ما تتناوله وسائل التواصل من وقائع تفيد أن سورية تتوجه نحو حالة تزمت أو انغلاق في الثقافة أو الفن.

 

وقد اشتغل على المسرحية طاقمُ عمل كبير يتألف من مؤلف النص محمد عمر ومؤلف الموسيقى محمد هباش إضافة إلى رنيم المط (كريوغراف)، ماهر هربش (تصميم الإضاءة)، أحمد منصور (تصميم الأزياء)، غيث المحمود (تصميم الديكور).

لقد بنى هؤلاء وعاءً لعرض جمالي درامي راقص سعى إلى خلق حالة من الإبهار البصري امتد نحو ساعة من الزمن شارك فيه أكثر من ستين راقصاَ وممثلاَ أهمهم : نوار البلبل وناهد حلبي ووليد الدبس وغسان الدبس وعلي عكروش.

جاءت لوحات الميوزيكال معنونة باللغة الانكليزية (!!) من خلال نافذة ضوئية تصدرت أعلى خشبة المسرح ، تشير إلى أسماء فصول هامة لواحدة من أهم حكايات العرب في الأندلس وتتعلق بهزيمتهم وضياع مجدهم الخالد، لكن هذا الاسترجاع التاريخي ، حمل رسالة أخرى، عن معاناة السوريين مع الحرب، ودور دمشق في استعادة الرسالة الحضارية العتيدة .

جعل النص في حكاية (وجيدة) حسناء أشبيلية التي لعبت دورها الفنانة رنيم ملط ، مفتاحا لأحداث درامية أوسع تتعلق بحالة الانهيار الكبرى التي تلت سقوط المدينة ، وذلك عندما وقع القائد ألفونسو(نوار بلبل) بحب هذه الحسناء، فيما وقعت هي في حب الغجري (خابيرو) الذي لعب دوره محمد ديبان..

وفي تلخيص العمل، كما قدمته دار الأوبرا أن القدر أغلق باب التكهنات، ودارت بمصائر العرب الدوائر، فشرعت أشبيليا أبوابها لجموع الخارجين بعد قرون من الاستقرار والمجد ، حيث ارتبط مصيرها بتداعيات الانهيار، فوقع ألفونسو أحد الغزاة في حبها، بينما خطف خابيرو الغجري قلبها ، وبين خيار البقاء تحت رحمة ألفونسو أو الولوج إلى مغارة خابيرو وجدت وجيدة نفسها أمام مصيرها التراجيدي، فبعد أن كانت زهرة فواحة في دروب أشبيليا .. هاهي الآن ضائعة وتائهة تبحث عن كوة أمل لتخرج من مغارتها المعتمة .

شهد العرض إقبالاَ جماهيراً لافتاً على مدار الأيام الثلاثة التي قُدم فيها، ولاقت اللوحات تفاعلاً متكررا من الجمهور، ولم يكتب عنها الإعلام إلا تقارير مختصرة، لاتقدم تعريفا بالمسرح الراقص الذي يقدم عروضاً متميزة ويتعرف عليه الجمهور السوري يوما بعد يوم عبر دار الأوبرا.

إن من أصعب الأعمال في المسرح الراقص هي السيطرة على المجاميع التي تتحرك على الخشبة، وهي هنا تتعلق بالأداء الراقص والتشكيلات التي يبني عليها الكريوغراف، وقد سعت رنيم ملط ليكون العرض في صورة مكتملة، فنجحت في أكثر اللوحات، لكن التشكيلات والحركات التعبيرية في بعضها أفلتت من يدها ، وظهرت صورة التوازن في المشهدية ناقصة، وكان هناك فراغ في كتل الرقص وتشتت بعض الراقصين عن حركة الانسياب العامة للفرقة في قسمي المنصة، وربما يعود ذلك إلى قلة التدريب أو لكثافتها في أوقات محددة..

 

وفي حالات أخرى أحسسنا بلحظات صمت من الممثلين في وقت يفترض فيه أن يكون التعبير أوضح ، أما على صعيد حركة الكومبارس أو الكواليس، فظهرت فجة في مقطع أو مقطعين وكنا نرى جوانب من الكواليس لاتزال الحركة واضحة فيها رغم الشروع في اللوحة .

كذلك ضاعت بعض معاني كان يبحث عنها المشاهد في الغناء ليتعرف على تفاصيل الحكاية  رغم مهارة الكورال السوري الذي ي يتألف من الفنانين عاصم سكر ونزيه أسعد وكفاح سلمان وطلال أبو حشيش وأحلام ديب وغيرهم .

الموسيقى التي سجلت في دبي والسويد طغت على  صوت المغنين والرواة، أو ربما كانت الموسيقى أقوى حضورا من الصوت الذي يحتاجه المشاهد لمعرفة مايجري.

المسرح الراقص في كل الأحوال يحمل في تشكيلاته وتداخلاته الفنية والدرامية حكاية ومعنى، ويتم تحميل المعنى فنياَ من خلال سياق درامي مبرر، لذلك لم يكن من الضروري إقحام الواقع المعاصر المتعلق بمعاناة الشعب السوري خلال ثورته (موضوع الهجرة) على نص تاريخي أعتقد أن المشاهد قادر على استنباط معناه بحرية وتحليل إسقاطاته ببساطة .

أيضاً لم يكن هناك من حاجة إلى الاستخدام المباشر للسيف الدمشقي في نهاية عرض تاريخي، ليؤكد أن العرض يهدف إلى الرابط بين أحداث المسرحية ودور سورية الحضاري القادم.

إن إقحام الموضوع الوطني المقدس مباشرة على سياق تاريخي رمزي فُهم على أنه تحميل إضافي غير فني على مشروع ميوزيكال الذي لم يكن قد أعد لهذه الغاية. فالفن عندما يبني على الواقع التاريخي يأخذ بأسلوب الإسقاط وليس بالمباشرة الفجة في المنجز الفني العام، ومع ذلك انتبه كثيرون إلى أن ذلك كان توليفة فجة لم يكن الشعب السوري بحاجة إليها ليفرح في انتصاره الكبير الذي حصل في 8 كانون الأول 2025.

في المحصلة ، وبعض النظر عن هاتين الملاحظتين، قدمت لنا دار الأوبرا عرضا فيه من السحر ما يمتع البصر والأذن ويثير في العقل تساؤلات هامة عن تاريخنا.

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى