العلم والعلماء في العالم العربي..التحولات العربية وضرورة التقدير المناسب
من بين القضايا المصيرية حاليا، والتي تحدد مكانة الدول وحاضرها ومستقبلها ويجدر بالشعوب والأنظمة العربية أن تضعها في اعتبارها لمواجهة تحديات الحاضر والمستقبل، قضية تعزيز قيم وقيمة العلم وتقدير العلماء.
ففي الوقت المشغولة فيه بعض وسائل إعلامنا العربية بقضايا وأمور ليست ذات أهمية وتؤدى إلى إثارة الرأى العام والبلبلة في المجتمع، هناك شعوب وأنظمة وحكومات ووسائل إعلام أخرى متقدمة مشغولة بالاهتمام بالعلم وقضاياه واتجاهات وعلوم الحاضر والمستقبل الحديثة التي ستغير العالم وتحدد مكانة وموقع الدول عالميا على خريطة العلم والتكنولوجيا، مثل علوم الخلايا الجذعية وهندسة الأنسجة وطب التجديد والنانو بيوتكنولوجي والذكاء الصناعي والروبوتات والاندماج ما بين البشر والآلات، وغيرها من اتجاهات علمية وتكنولوجية حديثة، وكذلك مشغولة بتربية أبنائها ومواطنيها على حب وتقدير واحترام العلم والبحث العلمي والعلماء.
ولعل من بين التساؤلات المهمة التي يجب أن تتصدر قائمة أولويات الدول العربية مع رياح التغيير والتحولات التي هبت على عالمنا العربي وفي إطار إجراءات التطوير والتنمية: هل نسير في حياتنا وتخطيطنا لحاضرنا ومستقبلنا على قيم العلم ومنهج البحث العلمي؟ وما مقدار اهتمام الأنظمة والحكومات العربية باتجاهات العلوم والتكنولوجيا الحديثة؟ وكيف نجعل العلوم والتكنولوجيا تحظى عموما باهتمام عامة الجماهير، بنفس قدر اهتمامهم، بل أكثر، بمجالات مثل الفنون والآداب والرياضة؟ وكيف يمكن إعداد أجيال جديدة من محبي العلم والمزودين بأدواته للتوصل لحلول لمشاكل المجتمع؟
وهل ينال علماؤنا وباحثونا العرب المتميزون بالداخل، الاهتمام والتقدير والتكريم الذي يتناسب مع إنجازاتهم؟ وهل هناك تواصل مستمر مع علمائنا بالخارج حتى يشعروا دائما بأنهم في قلب الوطن، يشعر بهم ويشتاق لهم، وهل تكريمنا لهم سابقا أم تاليا لتكريم وتقدير الغرب؟ وكيف يمكن استقطاب علمائنا بالخارج والاستفادة من خبراتهم لتأهيل وإعداد جيل جديد من شباب الباحثين قادر على قيادة مسيرة العلم والبحث والتنمية وحل مشكلات المجتمع، وبخاصة مع توافر مناخ علمي جديد يتميز بالاستقرار والحرية والديمقراطية؟
وما هي السبل لإيجاد تواصل فعال بين علمائنا في الداخل والخارج لإعداد بحوث علمية مشتركة تفيد في النهوض بالأوطان تنمويا، مع موجات التغيير الحادثة؟ وكيف يمكن أن نتحول عموما من مستهلكين للعلم والمعرفة إلى منتجين لهما؟
لقد غادر علماؤنا العرب أوطانهم بسبب إهمال قيمة وقيم العلم وتدهور البحث العلمي وتدني مخرجات التعليم، وحالات الإحباط والكبت وغياب المناخ العلمي والحرية التي تعد الأساس للابتكار والإبداع. فعالمنا العربي غني بالكثير من المصادر والثروات الطبيعية والكفاءات العلمية البشرية، فقط مطلوب توافر إرادة قوية ورؤية صحيحة لحسن استغلالها واستثمارها، بدلا من الاعتماد على الغير.
ولم يعد كافيا أن تخصص الأنظمة والحكومات العربية يوما سنويا فقط للعلم وتكريم العلماء، بل لا بد من إعلاء ثقافة تقدير قيمة العلم والعلماء في كافة أرجاء المجتمع، وأن يشعر المواطن العربي دائما بأهمية وقيمة العلم في حياته اليومية وفي تخطيطه لحاضره ومستقبله. ولن يتأتى هذا إلا ببرامج علمية جادة للاهتمام بالعلم والعلماء في وسائل الإعلام كافة، وبخاصة وسائل الإعلام الحديثة في العصر الرقمي الجديد، مثل تقارير وحوارات علمية بالصوت والصورة على الهواتف الجوالة والمواقع الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعية كالـ “فيس بوك” و”تويتر”، وأن نرعى باحثينا ومبتكرينا العرب من خلال خطط وبرامج حقيقية فعالة تتولى رعايتهم واستثمار مشاريعهم وأفكارهم ومخترعاتهم العلمية الجادة وقبل أن تغادر وتهاجر الوطن إلى أماكن أخرى تلقى فيها حق الرعاية والاهتمام والدعم والاستغلال، لتعود إلينا بشكل جديد مصنعة في صورة أجهزة ومبتكرات عالمية نتهافت على شرائها.
مع رياح التغيير العربية، أصبحت هناك ضرورة لتعزيز قيم العلم المتمثلة في الأمانة والصدق والخيال والإبداع والتقدير والاحترام والتسامح والنقد الهادف البناء والعمل الجماعي وتسوية الخلافات بمنهجية.
فالكلمات والعبارات التي كانت سائدة في فترات ما قبل الربيع العربي مثل “خليك فهلوي”، و”مشي حالك”، و”معلهش”، و”معاك واسطة تاكل باسطة”، يجب أن تختفي تماما من قاموس حياتنا اليومي، ليحل محلها قيم العلم والعمل واحترام المنتجين والمخلصين.
لقد أعلى ديننا الإسلامي الحنيف من قيمة ومكانة العلم والعلماء، ومظاهر حضارتنا العربية الإسلامية خير شاهد على ذلك. لقد احتل العلم والتعليم موقع الصدارة في تاريخ أمتنا الإسلامية، حيث أرسى علماؤنا وروادنا الأوائل من عصر النهضة الإسلامية أسس وقيم العلم والمنهج العلمي في حل المشكلات. لذلك أصبح لزاماً علينا أن نستلهم أسس نهضتنا الحقيقية من حضارتنا وتراثنا الإسلامي، مع الاستفادة من تجارب الدول والشعوب الأخرى وبما يتناسب مع عقيدتنا وبنيتنا وقيمنا الثقافية.
لعل التحولات والمتغيرات العربية والعالمية تكون أرضية خصبة لزراعة بذور العلم والحرية والديمقراطية في عالمنا العربي، لتنمو وتزدهر معها قيم العلم وتقدير العلماء وإنتاج البحوث العلمية الرصينة التي تفيد في مجالات التطوير والتنمية في مختلف القطاعات.
وأخيرا.. لا بد من التأكيد دائما على أنه، لن تكون لنا قيمة وقامة بين الدول والشعوب إلا بتقدير العلم والعلماء، وتعزيز ونشر ثقافة قيمة واحترام العلم والبحث العلمي، لبناء وطن ومواطن عربي جديدين.
ميدل ايست أونلاين