كتب

تأملات قاهرية بعيون مصري مغترب

عن المركز القومي للترجمة بمصر، سلسلة «الإبداع القصصي»، صدرت طبعة جديدة من ترجمة رواية «قاهرة النسيان» للكاتب والمترجم المصري المقيم بباريس خالد عثمان التي كتبها بالفرنسية وترجمتها إلى العربية سحر سمير يوسف، ويتناول فيها تجليات العاصمة المصرية بسحرها وخذلانها ومفارقاتها الدرامية عبر عدد من النماذج والشخصيات المتناقضة اجتماعياً وأخلاقياً على نحو مثير للتأمل والدهشة.

 

يحدث ذلك من خلال حبكة درامية تتناول نظرة مصري مهاجر يعود إلى مسقط رأسه بالقاهرة بعد سنوات طوال قضاها في أوروبا، غير أنه بعد وقت قصير من وصوله يصاب بصدمة تُفقده الوعي ليكتشف عند عودة الوعي إليه أن ذاكرته قد طُمست تماماً مع فقدانه التام لأية دلائل على هويته الحقيقية.

تبدو القاهرة في هذه الرواية مدينة مخيفة وجذابة في آن معاً، تعج بالحياة وبنوع من الفوران الصاخب المتفرد، مدينة لا تحول العلاقات الاجتماعية المتشابكة فيها ولا قسوة الظروف الاقتصادية دون نشوء روابط وأواصر مجتمعية حارة.

ويرصد العمل نبض أماكن مميزة كميدان التحرير، مع مظاهر الاحتقان السياسي التي سبقت ثورة 25 يناير 2011 ومصادرة الحريات الشخصية من قبل بعض التيارات الدينية التي لا تلبث أن تتخذ موقع الصدارة إبان التظاهرات التي كانت توشك على الاندلاع.

ومن أجواء الرواية نقرأ:

«كان لديه انطباع بأنه خرج لتوه من بئر عميقة لا قرار لها كأنه قد استمر في السقوط بها لعدة قرون، وفي قمة البئر كانت شمس ساطعة تنشر أشعتها عالياً في السماء. كان مستمراً في الترقي نحو القمة، وقد تعلقت عيناه بقاع البئر فلم يكن يجرؤ على رفعها لأعلى خوفاً من أن يصاب بالعمى بشكل نهائي. وعلى الرغم من ذلك فإنه كان يسمع أصواتاً أليفة: مصراع نافذة تضربه الريح، متاع ينقل ويرفع من مكانه ليوضع في مكان آخر، كميات كبيرة من الماء تُصب على مساحات مبلطة أو صوت تتابع قطرة وراء قطرة. بدأ يرمش بعينيه ويفتحهما تدريجياً لتعويدهما على الضوء الذي غمر الغرفة، جسده ممد فوق فراش وسط غرفة بها أثاث بسيط لكن به ذوق. النافذة مفتوحة على مصراعيها والشيش المدهون باللون الأخضر هو وحده ما يمنع أشعة الشمس من خطف بصره. بالقرب من هذه النافذة، ثمة فتاة شابة ترتدي ثوباً ريفياً تجلس القرفصاء وفي يديها ممسحة وهي تدندن في هدوء. انفلتت خصلات بنية اللون من تحت المنديل الأصفر المكدس بالحلي الذهبية الذي عقدته دون عناية على رأسها، بينما يزين أحد كاحليها خلخال ثقيل. تلمع مربعات البلاط الكبيرة بالماء فتعكس بقعاً من الضوء على عينيه لدرجة أنه اضطر إلى وضع يده كحاجز أمام جبهته عندما هم بالاعتدال في الفراش. أصدرت قوائم الفراش صريراً جعلها تنتفض في مكانها وتستدير وقد انفرجت أسارير وجهها قائلة:

– صباح الفل والياسمين… سيدنا الأفندي صحا أخيراً!».

صحيفة الشرق الأوسط اللندنية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى