تحليلات سياسيةسلايد

الإمارات ترسخ دعمها لمغربية الصحراء وتدفع بتنمية الجنوب

انطلق الاحتفال الإماراتي بعيد الاتحاد الـ54 في الرباط هذا العام برسائل سياسية واضحة تعكس متانة العلاقات بين المغرب والإمارات وعمق تناغم رؤى قيادتي البلدين، ففي كلمته خلال الحفل الذي نظمته سفارة دولة الإمارات، أكد العصري سعيد أحمد الظاهري، سفير أبوظبي لدى المملكة، أن “ما حققته دولة الإمارات من إنجازات تنموية يرتكز على شراكات استراتيجية متينة مع الأشقاء والأصدقاء”.

وشدد على أن من أهم هذه الشراكات تلك التي تجمع بلاده بالمغرب باعتبارها “نموذجاً للروابط الأخوية المتينة، القائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة وتاريخ حافل من التعاون والتنسيق في مختلف المجالات”.

ولم يكتف السفير الإماراتي بالتأكيد على عمق الشراكة، بل شدد كذلك على دعم بلاده الواضح والثابت لوحدة المغرب الترابية، مبرزاً أن قرار مجلس الأمن الأخير “انتصر للسيادة المغربية على الصحراء”، وأن أبوظبي “تؤكد موقفها الداعم لقضية الصحراء المغربية وانخراطها الدائم في مساندة الحقوق المشروعة للمملكة”. كما كشف عن توجه إماراتي لتعزيز الحضور الاقتصادي والاستثماري في مختلف جهات المملكة، بما في ذلك الأقاليم الجنوبية، عبر مشاريع نوعية تسهم في التنمية المستدامة.

وفي السياق نفسه، بعث العاهل المغربي الملك محمد السادس برقية تهنئة إلى الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، بمناسبة العيد الوطني لبلاده، عبّر فيها عن أصدق تمنياته بموفور الصحة والهناء للشيخ محمد، وللشعب الإماراتي بموصول الرقي في ظل قيادته الحكيمة.

وأكد الملك محمد السادس على “بالغ اعتزازه بعمق العلاقات الأخوية المتميزة التي تجمع المملكة المغربية ودولة الإمارات العربية المتحدة”، مؤكداً حرص البلدين المشترك على الارتقاء بهذه العلاقات لتحقيق طموحات الشعبين”.

وهذه الرسالة الملكية لم تكن بروتوكولية فقط، بل شكلت جزءاً من تأكيد ثابت لعلاقات تُصنَّف اليوم ضمن الأقوى عربياً من حيث العمق الاستراتيجي ومسارات التعاون.

وانطلاقاً من هذه المعطيات، يتأكد أن ما يجمع الرباط وأبوظبي يتجاوز مستوى العلاقات التقليدية، ليندرج ضمن رؤية مشتركة تقوم على الوضوح السياسي، والتكامل الاقتصادي، والانسجام في أولويات الأمن الإقليمي، فالدعم الإماراتي لمغربية الصحراء ليس موقفاً ظرفياً، بل امتداد لخط استراتيجي تبنته القيادة الإماراتية منذ سنوات، تُرجم عملياً عبر افتتاح قنصلية عامة في العيون سنة 2020، لتكون الإمارات أول دولة عربية تقدم على هذه الخطوة الدبلوماسية التي تمثل اعترافاً صريحاً بوحدة التراب المغربي.

ومن جهة أخرى، يُبرز مسار التعاون الاقتصادي بين الرباط وأبوظبي دينامية متصاعدة تستند إلى مقاربة إماراتية تقوم على الاستثمار في الدول ذات الاستقرار السياسي والرؤية التنموية الواضحة، وهو ما توفره المملكة المغربية خلال العقدين الأخيرين، فالإمارات، التي حققت أحد أكبر نماذج التنمية في المنطقة العربية، تعتمد في سياستها الخارجية الاقتصادية على شراكات استراتيجية تُبنى على الثقة والموثوقية، وهو ما يفسر حضورها القوي في قطاعات البنية التحتية والعقار والطاقة والتمويل داخل المغرب، إلى جانب مشاريع واعدة في الأقاليم الجنوبية.

كما أن إشادة السفير الإماراتي بالدور الذي يضطلع به الملك محمد السادس بصفته رئيساً للجنة القدس، تعكس بوضوح تقاطع الرؤى بين البلدين في القضايا الإقليمية، فالإمارات تنظر إلى المغرب باعتباره فاعلاً عربياً مركزياً يجمع بين الشرعية التاريخية والاستقرار السياسي والقدرة على الوساطة الفاعلة، وهو ما يجعل من تعزيز التنسيق معه خياراً استراتيجياً، خصوصاً في ظل المتغيرات المتسارعة التي يعيشها المحيط العربي.

وتُقرأ تصريحات الظاهري أيضاً في سياق إدراك إماراتي متقدم للدور الذي يمكن أن يلعبه المغرب في إفريقيا، إذ أكد حرص بلاده على تعميق التعاون الثلاثي مع المملكة داخل القارة. فالمغرب، الذي نسج شبكة واسعة من العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية في غرب إفريقيا ووسطها، يمثل شريكاً موثوقاً لأبوظبي في دعم مشاريع التنمية والاستقرار بالقارة، وهو ما يفتح الباب أمام تحالفات اقتصادية جديدة ومبادرات مشتركة في مجالات الطاقة المتجددة، الأمن الغذائي، البنية التحتية، وتمويل المشاريع الكبرى.

ولا يمكن إغفال أن التناغم بين الرباط وأبوظبي يأتي أيضاً نتيجة رؤية مشتركة للتنمية تقوم على الاستباقية والابتكار والتحديث المتواصل، فالإمارات التي أرست نموذجاً اقتصادياً متقدماً جعلها ضمن أهم الاقتصادات العربية، تعتمد اليوم على الذكاء الاصطناعي، الطاقة النظيفة، الاقتصاد الرقمي، وتنويع مصادر النمو، وهي توجهات تلتقي مع الإستراتيجية المغربية التي تستثمر بدورها في الطاقات المتجددة، الصناعات المستقبلية، اللوجستيك، والصناعات الدفاعية. وهذا التقاطع في الرؤى يجعل من البلدين شريكين يتقدمان في الاتجاه نفسه، ما يفسر ارتفاع مستوى الثقة بينهما.

وعلى المستوى السياسي، يقدم التنسيق المغربي الإماراتي صورة واضحة عن قدرة البلدين على بناء تحالف يقوم على المصالح المشتركة والقراءة المتوازنة للتحديات الإقليمية، فالمغرب والإمارات كلاهما يراهنان على الاستقرار كمدخل للتنمية، ويرفضان المقاربات التي تنتج الفوضى أو التدخل في شؤون الدول، ويشجعان الحوار والحلول السياسية. كما يشتركان في دعم القضايا العربية الأساسية وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وفق مقاربة عملية تراعي التوازن بين المبادئ والدبلوماسية الواقعية.

وبالعودة إلى مضمون الاحتفال بالعيد الوطني الإماراتي في الرباط، يتضح أن الرسائل التي حملها السفير الظاهري لم تكن مجرد كلمات مجاملة، بل انعكاس لمسار يتجه نحو مزيد من ترسيخ الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، وإشارة واضحة إلى أن دعم الإمارات لوحدة المغرب الترابية جزء من رؤية راسخة تقودها القيادة الإماراتية بقيادة الشيخ محمد بن زايد. وفي المقابل، تأتي تهنئة الملك محمد السادس لتؤكد أن الرباط تنظر إلى أبوظبي كشريك استراتيجي موثوق، ومكوّن أساسي في معادلة الاستقرار الإقليمي.

وبهذا تفتح العلاقات المغربية الإماراتية، كما تعكسها هذه المناسبة، فصلاً جديداً عنوانه مزيد من التنسيق والتكامل، ورهانه دعم الاستقرار والتنمية، سواء داخل البلدين أو في محيطهما الإقليمي.

ميدل إيست اون لاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى