افتتاحية الموقع

مسؤوليات الشعب السوري

عماد نداف

كيف تبدو سورية بعد عام واحد من سقوط نظامها العسكري العجوز؟

حُكمت البلادُ بالحديد والنار طيلة ستين سنة، أكثر من خمسين سنة منها تحت حكم أسرة (الأسد)، وقد كشفت التسجيلات المسربة لرئيسها المخلوع عن رغبته لإيجاد اسم (حيوان) جديد يستبدل فيها كنيته  بعد ظهور (أسد الديبلوماسية)، و(نمر قاسيون)، ووحش (التضامن).

كيف تبدو سورية اليوم؟

سؤال يفتح على أسئلة فرعية أخرى تقول: هل هي بخير؟ ما الذي ينتظرها؟ وما هو المطلوب من شعبها؟ والأجوبة على هذه الأسئلة تحتاج إلى وقت طويل وإلى مساحة كبيرة في الكتابة، إلا أن بالإمكان تكثيف الحالة بأنها حالة جسد حيوي، بعد استئصال ورم كبير منه ، وهذا وحده كفيل بمعرفة حقيقة الوضع الذي تعيشه البلاد ، لكن من المفيد، طالما استؤصل الورم وظل الجسد حياً، الإجابة على سؤال واحد : ماهو المطلوب من الشعب السوري؟

نعرف جميعاً، أن الأسد الأب جرّد هذا الشعب من كل قواه الطبيعية، عبر المسافة التي قطعها حكمه بعد عام 1970، فقد ألغى الحياة الوطنية الديمقراطية، منذ اللحظة الأولى التي ألغى الحزب الذي ينتمي إليه نفسه ووضع قيادته في السجن ، وألغى البرلمان السوري الذي يحاسب الرئيس على استخدام سيارة الدولة في فسحة قصيرة ، وفصّل مجلسا للشعب على قياسه يصفق للرئيس ويوافق على خطابه ويعتبره توجيهات، وكأنه يفصل غرفة نوم للمجتمع في معامل عربين وزملكا الشهيرة بالمفروشات قبل أن يدمرها ابنه بشار ..

ألغى الحياة السياسية باختلاق مؤسسة اسمها (الجبهة الوطنية)، جمعت أكبر الأحزاب السياسية، ماعدا حزب الإخوان المسلمين. ومع مرور الزمن تفككت هذه الأحزاب، وغدت هياكل محجوزة بغرف في مبنى يقوده ضابط يشبه السجن ، خصص فيه لكل حزب ثلاث غرف وحمام وباب يغلق عليه عند الحاجة.

كذلك أنهى الحياة الإعلامية، وذلك بإجراء تحديد نسل للصحافة بحصر الإصدارات اليومية بعدة صحف غير مقروءة باعتراف ابنه بشار الأسد عندما ألغى طباعتها الورقية، ثم خصاها عندما أمرها بالترويج لأقواله وأفعله والسعي لصناعة موظفين بدلاً من إعلاميين مرموقين، وتلك الخطة كشفها وزير الإعلام الأسبق محمد سلمان في حديث قديم في مطلع التسعينات عندما نفى صفة الصحافة عن الصحفيين واستبدلها بموظفين يكتبون مايريده .

والأخطر من ذلك أنه عطل الحياة الاجتماعية، من خلال قهر رجالاتها وتصفيتهم، من مثقفين وكتاب وشعراء ورجال دين مرموقين ووجهاء قرى وأحياء محترمين مسموعي الكلمة.

وكذلك فعل في الحياة الاقتصادية من خلال الهيمنة عليها وتحويل آلتها الضخمة والنشطة في البلاد إلى ممول كبير للطغيان وجبروت السلطة، فيؤسس لقيادة المجتمع مسطرة على قياسه هي أجهزة المخابرات وفصائل سرايا الدفاع والصراع والوحدات الخاصة وتقوية جيش لإخافة الشعب وطمأنة العدو ومنع أي عملية فدائية عبر الجولان.

أما الكارثة الكبرى التي أصابت سورية، فكانت بإلغاء القضاء، عندما تحول (القائد) إلى حاكم ظالم يحكم بما يريد، وعندما أفسد هذا الحاكم القضاء برجاله وجعله عرضة للفساد واستبعد كل يد نظيفة وكل عقل قانوني عادل، وأبقى على دهاليز القصر العدلي معتمة لاتشاهد فيها الأيادي التي تتداول الرشاوى وتلعب بمصائر الناس، ويالعار أي مجتمع تنهار فيه مؤسسة القضاء على النحو الذي تم فعله ..

ماهو المطلوب من الشعب السوري اليوم بعد سقوط كل تلك المرحلة ؟

المطلوب منه أن يعي جيداً أن سبب كوارثه التي عاشها هي نتيجة لهذه الممارسات التي ذكرتها قبل قليل، والتي طالت بنى الدولة والمجتمع، وأن يؤسس لبديل حضاري يعيد الهوية السورية لطبيعتها ، وأن يحيط هذا البديل بنوع من القداسة الوطنية ، فلا يسمح بالتطاول عليه ولا بتجاوزه، وأن يحصنه بدستور وقوانين تليق باسم ثورته العظيمة التي أطلقها عام 2011، وعندها سيكون من واجب السوريين حماية هذا الدستور والدفاع عن القانون وشد الأصابع من خلال يد قوية مرفوعة نحو السماء.

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى