موسكو وعزل مرسي: التوازن والغموض (هاني شادي)

 

هاني شادي

تبنت موسكو موقفاً يوصف بـ«المتوازن» من عزل الرئيس محمد مرسي، تجلى في بيان للخارجية الروسية صدر في الرابع من شهر تموز الماضي، وتجلى أيضا في تصريحات العديد من المسؤولين الرسميين الروس. ويقوم هذا الموقف على ضرورة نبذ العنف وعدم إقصاء أي طرف من الأطراف أثناء الحوار السياسي الوطني في مصر من أجل تحقيق تطلعات الشعب المصري وتحديث الديموقراطية. ولم يتطرق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على عكس ما يُشاع، لما جرى ويجري في مصر علانية إلا في تصريح واحد خلال لقائه بنظيره الكازاخي في السابع من تموز المنصرم، عندما ذكر أن مصر تقف على حافة الحرب الأهلية. وهذا ينفي، بالطبع، كل الشائعات المنتشرة على بعض مواقع التواصل الاجتماعي والصحف الالكترونية، التي أشارت، ولا تزال، إلى دعم روسي بالطائرات والمعونات والمساعدات للحكم الحالي في مصر.
وفي ظل هذا الموقف الروسي الرسمي «المتوازن» الذي يتسم ببعض الغموض، نرى مواقف روسية أخرى متباينة تماما. فقد صرح رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الدوما الروسي، اليكسي بوشكوف بأن «ما يحدث في مصر، هو تجاهل للعملية الديموقراطية وتلاعب خطير من قبل بعض القوى خارج مصر». ويقول بوشكوف «لا يمكن أن نكون أمام عملية ديموقراطية عندما يستولي العسكر على السلطة.. بالفعل هؤلاء العسكر هم من يسيطر على السلطة في مصر حاليا، ويجب ألا تكون لدينا أوهام بهذا الشأن». ويختتم بوشكوف تصريحاته بالقول: «تحت شعار الديموقراطية وإقامة سلطة الشعب، يجري صراع عنيف على السلطة.. وهذا لا يجري في مصر وحدها، بل في بلدان أخرى، وفي روسيا أيضا تجري أمور مشابهة». ويبدو أن بوشكوف، الذي يعتبر شخصية رسمية في روسيا بحكم منصبه، يخشى كثيراً من انتقال «العدوى المصرية» إلى بلاده. ويذكرنا هذا الموقف بموقف موسكو الرسمية تجاه ثورة الخامس والعشرين من كانون الثاني 2011 في مصر، والذي كان حذرا ومتحفظا ومترددا بسبب هواجس انتقال «العدوى» إلى روسيا.
ويتفق فيتشيسلاف نيكنوف، وهو نائب أيضا بالبرلمان الروسي، مع رأي بوشكوف في ما يتعلق بـ«الأيادي» الخارجية التي تقف وراء ما يجري في مصر. في الوقت نفسه، انقسم مجلس مفتي روسيا بشأن ما حدث في مصر بين مؤيد للموقف الروسي الرسمي ومتحفظ على عزل مرسي. واللافت أن بعض الكتاب «الإسلاميين» الروس يتجاهلون تماما الاحتجاجات المليونية في الثلاثين من حزيران الماضي ويركزون فقط على عزل الرئيس مرسي. فعلى سبيل المثال لا الحصر، ينصح إرنست سلطانوف في مقال نُشر مؤخرا في المجلة الأسبوعية الروسية المرموقة «كوميرسانت فلاست» الكرملين والسلطات الروسية بمواصلة مد الجسور مع جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر، حيث إنه يؤمن بعودتهم من جديد إلى السلطة.
في مواجهة هذا الموقف، نلاحظ مواقف روسية أخرى ترى أن ما جرى في مصر كان منطقياً وتصحيحياً لمسار «ثورة يناير» 2011. فعلى سبيل المثال لا الحصر، أعلن رئيس الوزراء ووزير الخارجية الروسي السابق والخبير في شؤون الشرق الأوسط، يفغيني بريماكوف، أن أسباب الأزمة الداخلية في مصر ناتجة من محاولة الرئيس محمد مرسي أسلمة البلاد والإفراط في توسيع صلاحياته. وأشار بريماكوف إلى أن محمد مرسي بدأ يتحرك بعيداً عن الطابع العلماني للبلاد فور استلامه السلطة، الأمر الذي ترافق مع الإفراط في توسيع صلاحيات الرئيس وتدهور الوضع الاقتصادي في البلاد. ويرى بريماكوف أنه بالنسبة إلى موقف الولايات المتحدة الأميركية من الأحداث في مصر، فإنها لا تسعى إلى دعم التطلعات الديموقراطية للمصريين التي تتجلى في الاحتجاجات ضد «الإخوان المسلمين». في السياق نفسه، يرى ميخائيل مارغيلوف، رئيس لجنة الشؤون الدولية بمجلس الشيوخ الروسي، أن ما جرى في مصر هو تصحيح لمسار «الربيع العربي»، وسيكون له الكثير من التأثير على البلدان العربية الأخرى.
وبالنسبة إلى السيناريوهات المحتملة في مصر، يعتقد فيتالي نعومكين، مدير «معهد الاستشراق الروسي» بوجود ثلاثة سيناريوهات. الأول، استمرار النزاع والوضع الغامض الذي يعني استمرار محاولات جماعة «الإخوان المسلمين» الاحتجاجية من أجل عودة مرسي إلى سدة الحكم، واستمرار القوى المعارضة المدنية في التظاهر أيضا في ظل استمرار السلطات العسكرية ماسكة بالحكم ونقل حل المشاكل الاقتصادية إلى حكومة مدنية فنية. والسيناريو الثاني، من وجهة نظر نعومكين، هو «الحرب الأهلية الجزئية»، حيث تتحول الأوضاع إلى مواجهات مباشرة ويحاول «الإخوان المسلمون» إزاحة العسكر من السلطة بالقوة. أما السيناريو الثالث، حسب نعومكين، فهو الاتفاق مع قسم من جماعة «الإخوان» للمشاركة في الانتخابات المقبلة.
إن الموقف الرسمي «المتوازن الغامض» لموسكو من الأحداث في مصر يرجع جزئيا، برأينا، إلى بعض التوصيات التي تقدم بها بعض المستشرقين الروس في وقت سابق للكرملين إبان حكم الرئيس مرسي، والتي ترى ضرورة تبني روسيا سياسة براغماتية لمواكبة التغيّرات في بعض البلدان العربية. وكانت تلك التوصيات تُسوق جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر على أنها جماعة «معتدلة « يجب التعامل معها لضمان المصالح الروسية في منطقة الشرق الأوسط. وفي هذا الشأن يقول نعومكين، في مقابلة مع صحيفة «موسكوفسكي كومسوموليتس» الروسية في العشرين من نيسان الماضي (أي بعد يوم واحد من لقاء بوتين ومرسي في سوتشي): «ليس هناك حاليا تهديد حقيقي للقوى الإسلامية، التي وصلت إلى السلطة في مصر، وأعتقد أن حركة المعارضة ضد مرسي و«الإخوان المسلمين» تظل محدودة بدرجة كبيرة من حيث الحجم، ومن حيث مستوى الدعم من قبل السكان.. فهي ليست قادرة على خلخلة سلطة «الإخوان»، فالرئيس مرسي و«الإخوان المسلمون» يظلان القوة الأكثر تأثيرا». لا شك بأن مثل هذه التوصيات والانقسام والتباين في صفوف النخب الروسية يجعل موسكو حريصة على إمساك العصا من المنتصف بشأن ما يجري في مصر، وذلك على عكس انخراطها بقوة في الأزمة السورية.


صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى