دمشق: المضاربة تجبر الدولار على الانخفاض
توالى الانخفاض في سعر الدولار في سوريا، وما يعادله من استعادة الليرة جزءاً من قيمتها السابقة. وتحدث اقتصاديون عن نزول الدولار الأميركي تحت سقف الـ400 ليرة سورية في بعض الأسواق، فيما تحدث المصرف المركزي السوري عن استعادة ما يعادل 170 ليرة من القيمة المعادلة للدولار اثر التدخلات الأخيرة.
وشكل الانخفاض في سعر الصرف مفاجأة للكثيرين، ولا سيما أنه غريب عن القواعد الاقتصادية التي ترسخها الحروب، كما أنه لا يستند الى عوامل إنتاجية أو تجارية، وفقا لما قاله اقتصاديون لـ «السفير».
وترى الوزيرة السابقة لمياء العاصي أن التدخل المالي من قبل المصرف المركزي «جرى بشدة هذه المرة» على خلاف المرات السابقة، معتبرة في تصريح، لـ «السفير»، أن المهم الآن «بالرغم من الأخبار الممتازة، هو الحفاظ على استقرار العملة، باعتباره العامل الأهم لبناء الثقة الاقتصادية».
وهذا الأمر اعتبره رئيس الحكومة السورية وائل الحلقي من أولويات الحكومة. وقال الحلقي، خلال الاجتماع الأسبوعي لمجلس الوزراء، إن «عمليات التدخل الجديدة، التي اتخذها مصرف سوريا المركزي ومجلس النقد والتسليف، ساهمت بتعزيز صمود الليرة السورية، ما أدى إلى تحسن ملحوظ وكبير بسعر صرفها أمام الدولار وزيادة الطلب عليها، وتهافت المتعاملين على بيع الدولار خوفاً من تسجيل تحسن جديد في سعر صرف الليرة السورية».
ووفقا لرئيس الحكومة «فإن استقرار سعر صرف الليرة السورية من أولويات الحكومة، وتحسنه يجب أن ينعكس على واقع الأسعار»، موجهاً وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك «للاستمرار في تعزيز إجراءاتها لضبط واقع الأسعار في السوق وتأمين تشكيلة سلعية في مؤسسات التدخل الإيجابي، وتكاتف جميع الجهات المعنية لمحاربة ظاهرة التهريب وإغلاق المنافذ التي تبيع مواد مهربة ومحاسبتها». واعتبر الحلقي أن «الإجراءات الحكومية أدت إلى وجود حالة تخبط لدى المضاربين وخسارة فادحة لهم»، مؤكداً الاستمرار بالتدخل لحين وصول سعر صرف الليرة السورية إلى «مستويات توازنية مقبولة».
ولا يعرف أحد بعد ما هي «المستويات التوازنية المقبولة»، خصوصاً أن المصرف المركزي كان يواكب الارتفاع الحاصل في السوق السوداء بسعر صرف مقارب، متحدثاً دوماً عن «سعر واقعي وسعر غير واقعي للدولار». ورشح أن المصرف المركزي ثبت سعر التداول الرسمي على 475 ليرة، فيما واصل الدولار في السوق السوداء نزوله، نتيجة المضاربة، وحصول عرض أكثر من الطلب.
ويرى اقتصاديون أن «السعر الواقعي هو السعر المستقر» الذي يمكن على أساسه تنظيم العملية الاقتصادية برمّتها من دون هزات، وهو ما ينتظر الجميع تحققه، إثر مخاوف كبيرة من أن يتبع هذا النزول الصاروخي صعود مشابه، علماً أن عمليات التأرجح هذه تتسبب في خسائر كبيرة لقطاع كبير من التجار كما للمواطنين، بسبب غياب القدرة على التنبؤ الاقتصادي المتوسط الأجل.
بدوره، يبدي عضو مجلس الشعب (البرلمان) الصناعي فارس شهابي شكوكه من التحسن الأخير، متسائلاً على صفحته للتواصل الإعلامي «إذا كنا نستطيع فعل ما لم تستطع أي دولة في العالم عبر التاريخ فعله في تخفيض أسعار الصرف بهذه السرعة الضوئية، فلماذا لم نفعل ذلك من قبل لكي لا يتمكن بعض التجار من رفع أسعارهم أصلاً؟! هل اكتشفنا معادلة اقتصادية نقدية جديدة لم تكن موجودة سابقاً تؤهلنا للفوز بجائزة نوبل للاقتصاد».
من جهتها، تؤكد العاصي أن ثمة حاجة للسيطرة على سعر الصرف «لمدة ستة أشهر حداً أدنى» كي تتحقق الثقة الاقتصادية بالعملة المحلية، وهو ما سيسمح بحصول انعكاس على أسعار السلع التي لا زال التجار يتمسكون بأسعارها السابقة، علما أن فترة الستة أشهر «هي المدة التي تحتاجها السلعة ليتم استيرادها وبيعها ثم استيراد بديل منها» وسطياً.
وتعيد العاصي الانخفاض الكبير للتدخل القوي الذي مارسه المصرف المركزي، بعدما فرضت عليه المضاربات خيارات ضيقة، من بينها تفكير الحكومة الجدي بزيادة رواتب العاملين في الدولة، لمقاومة انخفاض القيمة الشرائية، ولكن من دون أن يكون هذا خياراً موفقاً كونه سينعكس تضخماً إضافياً.
لذلك مارس مصرف سوريا المركزي سياسة تدخلية، دعم من خلالها المصدرين (وهو ما كان يفعله سابقاً أيضاً) عبر إعطاء القطع للمصدرين بسعر السوق الموازي وأكثر، ورفع سعر الحوالات إلى سعرها الحقيقي بشكل يغني عن صرفها في السوق السوداء، كما سمح أمس وفقا لوكالة الأنباء السورية – «سانا» بفتح حسابات خاصة بالحوالات الواردة للمواطنين إلى مكاتب الصيرفة، في المصارف الخاصة، وهو ما كان ممنوعاً منذ بدء الحرب تقريباً.
ووفقا لـ «سانا» استعرض المصرف المركزي مع ممثلي المصارف الخاصة في سوريا «حزمة القرارات التي صدرت مؤخراً عن المركزي، ضمن عملية تدخله الأخيرة، بما فيها القرار الذي أعفى من خلاله كل تعهدات إعادة قطع التصدير المنظمة والتي ستخرج بضائعها من القطر من إعادة قطع التصدير».
رغم كل هذا، ترى العاصي أن المنطق يقول «بارتفاع تدريجي للدولار، ولكن بنسب قليلة»، وذلك في حال النظر للوضع الاقتصادي العام، ما يفسر الخوف من مضاربات جديدة لاحقاً.
صحيفة السفير اللبنانية