أمين المعلوف في دمشق!

قرأ كثير من السوريين أعمال الكاتب اللبناني الأصل، أمين المعلوف، وتابعوه باهتمام، ومنذ صدور ترجمة: ((الحروب الصليبية كما رآها العرب))، شق اسمه طريقا إلى الشهرة بين قراء الأدب السوريين، فقرؤوا في ثمانينات القرن الماضي رواياته المترجمة إلى العربية ومن بينها : ليون الأفريقي ، وسمرقند ثم حدائق النور ثم صخرة طانيوس وسلالم الشرق في التسعينات، أي أنه لم يكن مجرد كاتب وقع عمل من أعماله بيد قارئ سوري عابر.

بدأ الصخب في الصحافة اللبنانية حول خطوة أمين معلوف الأخيرة بظهوره على قناة تلفزيونية إسرائيلية خاصة في الثاني من حزيران يونيو 2016، وكتب عنه اسكندر حبش وبيار أبي صعب، فقد كان المعلوف كما جاء في صحيفة الأخبار اللبنانية “ضيف محطّة i24 التي يديرها فرانك ملّول والتي تدافع عن سياسات الليكود الدمويّة، وقال بيار أبي صعب في مقاله: لقد «طق شلش الحياء»، وتلاشت الروادع، وصار بوسع كاتب لبناني كبير أن يشهد بالزور، من دون أن يرفّ له جفن، ومن دون أن يحاسبه أحد… أهو سهو أو إهمال، «انفتاح فكري» أم لامبالاة؟ لحظة طيش وتخلٍّ، أم خطوة محسوبة وبداية مرحلة جديدة ترتسم ملامحها ببطء، ستشهد سقوط الاقنعة، وتساقط بعض نخبنا كالتفاح المهترئ؟

وفي دمشق، التي فصلت ذات يوم شاعرها الحداثي المعروف عالميا أدونيس لسبب شبيه، مرت السحابة دون ضجيج ثقافي، فلم يقم ذلك الصخب المعتاد على هذه الخطوة التي وصفت في الصحافة العربية بالتطبيع مع إسرائيل، السوريون انشغلوا عن الأمر وتركوه للبعض المقالات الصحفية، بل إن بعضهم وفي حوارات خاصة، رددوا كلمات ذات بعد سياسي : مافعله المعلوف يعتبر عاديا أمام التطبيع العربي الرسمي مع إسرائيل، وقال أحد المثقفين : العرب صوتوا لإسرائيل لتصبح رئيسا للجنة القانونية في الأمم المتحدة، فماذا تعني خطوة أمين المعلوف أمام هذا الخرب العربي؟!

إلا أن رئيس اتحاد الكتاب العرب في سورية الدكتور نضال الصالح ، وعلى شاشة الفضائية السورية، وفي برنامج ((كلام الورق))، كان واضحا، فعندما فتحت مقدمة البرنامج الموضوع مع الكاتب التونسي توفيق المديني في الاستوديو، وأجرت اتصالا معه ،أوضح أن المثقف السوري، كان يتوقع هذا المسار لأمين المعلوف منذ قرأ أعماله الأولى فكان يعرف إلى أين يمكن أن يصل!

آخر ما كتبته الصحف السورية عن هذا الموضوع، هو الاتهام الذي وجهه الصحفي أنور محمد للمعلوف بأنه يســاوي بيـن القـاتل والمقتـول، وقال في مقال متأخر: “إن ظهور الروائي أمين معلوف قارئ وناقد التاريخ على قناة «24» الإسرائيلية ليس خطأً تكتيكياً من مثقَّف عضوي. هو هنا، وفي هذه وإن لم يمتدح أو يهجو، كان يقوم بانقلاب استراتيجي على ورقة أعمال المشروع النهضوي العربي رغم انتهاء صلاحيته قسراً. ومن يقرأ «الهويات القاتلة» لمعلوف سيجد أنَّ الرجل في (طلَّته) هذه كمن يساوي بين القاتل والمقتول.”

ورفع هذا الصحفي مستوى الهجوم على المعلوف، فوصف فعله بأنَّه ” فعل غادر من مثقَّف يشكِّل قوَّةً احتياطية للحرية، فنجد أنفسنا ونحن في عرض البحر مع «بروتس» يقلب المركب فينا. ما يعني أنَّه كان يغشَّنا، فيقف مع الكيان القامع القاتل منحازاً له، وليس مع الحكايات والحوليات والأشعار والفنون وصراعات المدينة/ الناس التي تعمل على تحقيق وجودها التاريخي..”.

وكان الوسط الثقافي السوري، قد أثار صخبا كبيرا حول الشاعر السوري الكبير علي محمود سعيد ((أدونيس)) في تسعينات القرن الماضي، لخطوة أقل بكثير مما فعله المعلوف ((مشاركته في “لقاء غرناطة”، وهو مؤتمر حضره مثقفون إسرائيليون))، ووصل الأمر إتهامه بمغازلة إسرائيل من أجل الحصول على جائزة نوبل، ثم إلى فصله من اتحاد الكتاب العرب مع كاتب آخر مؤيد له هو هشام الدجاني.

وقد وقع نبأ فصل أدونيس من “اتحاد الكتاب العرب” في دمشق، كالصاعقة على الاوساط الادبية والثقافية في العالم العربي. وطرحت مجلة الوسط وقتها 27 شباط 1995 استطلاعا حول: كيف ينبغي اليوم برأيك أن يطرح النقاش حول “التطبيع الثقافي”؟ وكانت المشاركات كبيرة ومهمة، جاءت من قامات عربية كبيرة مثل : سعد الله ونّوس، إميل حبيبي، جمال الغيطاني، محمد الاشعري، علي عقلة عرسان، حنّا مينا، نبيل سليمان، سليم بركات، أنطون المقدسي، كوليت خوري، ونقتطف هنا رأي كوليت خوري التي لاتزال على قيد الحياة ولم تكتب شيئا عن أمين المعلوف :

” أنا ضد التطبيع أولاً. ولا أحبذ على الاطلاق ان يجري الأدباء كل بمفرده الى لقاء العدو. لكنني مع ذلك لا أوافق على الطريقة التي تم فيها فصل أدونيس من الاتحاد. وهذا الموضوع أخطر من أن يعالج خلال عشر دقائق أو ربع ساعة أثناء مؤتمر عام.
أنا شخصياً لا أعرف عن موضوع أدونيس سوى انه ذهب الى مؤتمر في غرناطة وتناقش مع المثقفين اليهود. كان الأجدر بالاتحاد ان يشرح لنا ما هو هذا المؤتمر، وماذا قال أدونيس أو فعل في هذا المؤتمر، وان يجري نقاش مطول ومفصل وتوضيحي حول هذا التصرف بوجود أدونيس. لأن هذا الموضوع دقيق للغاية، خصوصاً في هذه المرحلة الحساسة والدقيقة التي نمر فيها، حيث يحمل كل واحد منّا وجهة نظر يعتقدها الفضلى.”

وقال الناقد المسرحي الدكتور رياض عصمت وقتها ” ما هو التطبيع؟ أصبحت هذه الكلمة “بعبعاً” للتخويف والادانة، يستخدمه المثقف ضد المثقف. لكن معناها مبهم واشكالي. هناك فارق بين اقامة علاقات ود وتبادل حميمية تصل الى حد تغيير مفردات كتب الدراسة والتاريخ مع عدو ما زال عدوانياً تجاهنا نحن العرب على رغم تشدقه بالسلام والأمن وما شابه، وبين ان يحاور المرء نداً لند، ممثلين عن ثقافة ذلك البلد العدو في مؤتمرات دولية. ”

وقال أيضا ” لا أؤيد فصل أدونيس وهشام الدجاني من “اتحاد الكتاب العرب”. فبغض النظر عن الموقف من سلوك أدونيس، فان التعامل لا يتم بهذه الاستهانة مع قامة أدبية شامخة لها مكانتها الخاصة الرفيعة عالمياً بحيث رشحت الى جائزة نوبل، لمجرد حضور مؤتمر غرناطة، والمناداة بالحوار مع الرأي الآخر. هذا موقف تكتيكي خاطئ. ماذا سيكون قرار الاتحاد لو صار الاثنان عشرين أو مئتين؟ يفصلهم؟ وهل مهمة الاتحاد جعل الأعضاء نسخاً طبق الأصل من بعضهم البعض؟”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى