ضريبة فساد

عرفت الجوع، شخصياً ، ولا أريد أن ألتقي به في هذه الحياة مرة أخرى .
__________________________________________

“للقضاء على الفقر…يجب القضاء على الفقراء”.

عندما تستخدم هذه الجملة لوصف الواقع، وليس لجوءاً إلى لغة المبالغة، في الأدب لإيضاح الواقع… فإن الحياة تصبح نوعاً من أنواع النكبات.

وعندما تكتب بنت في العشرينات ، ساعدوني أيها الأصدقاء في الذهاب إلى قبري ، “دودي جائع “…فإن الحياة تصبح نوعاً من التراجيديات.

وعندما لا تستطيع حكومة الجمهورية العربية السورية أن تنتظر حتى نهاية رمضان لكي تزيد أسعار كل السلع التي يحتاجها البشر (عن طريق زيادة ثلاث فقط. بنزين، مازوت، غاز) فإن الحياة تصبح نوعاً من العجز الذي لا دواء له.

كل الناس يعرفون أن فرض ضريبة، ولنسمّها “ضريبة الفساد” على الفاسدين العلنيين والرسميين ، وبينهم تجار دم، وحرب، ومجاعات، وأدوية سرطان، وقنابل، وسكر، وكرامه وطنية…فرض هذه الضريبة ، فقط ، كاف لتأجيل الغلاء شهراً…

لقد صار واضحاً: كلما شدّد اللصوص قبضتهم على مصائر البشر، كلما تدهور شيء في منظومة سلام الحياة في سوريه.

“السوري جائع” ؟

لم يكن هذا في تاريخ سورية إلا في فترة الحرب العالمية الأولى. وكان جائعاً، آنذاك، لأن الأتراك ، بسبب الحرب ، صادروا القمح والشعير والشعائر.

السوري كان، قبل الميلاد، يطعم 25 مليون يوناني، وروماني من غلال منطقتين فقط: حوران، جنوب سورية، والجزيرة، شمال سورية.

والآن…مهندس راتبه 40 ألف ليرة (أقل من مائة دولار) يطلب، على الفيس بوك إعانته في جدولة هذا الراتب لتمضية شهر بدون جوع، فكيف بمن راتبه … التسوّل؟

أنا الآن أكتب هذه “الشكوى”…وأمامي المكتبة التي كنت استمد منها عزيمتي ومعرفتي وثقتي و…ندمي (تقريباً) أيضا.

ولكن صورة الكاتب العراقي الذي باع كتبه ليأكل…لا تفارقني وهو يقول: “أريد أن أتوجه بالشكر إلى المتنبي الذي جعلتني كتبه، وما كتب عنه، أعيش أسبوعاً آخر. والشكر لشكسبير لأنه أعانني، بثمن كتبه، على العيش أسبوعاً آخر أيضاً…”

ويمضي في تعداد الكتّاب الذين أعانوه، فيما كاميرا المخرج السينمائي اللبناني سايد كعدو، تصور الرفوف الفارغة، وصوت ماكينة خياطة يهدر في خلفية المشهد ، حيث زوجة الكاتب ترفو ثياب الله.

في بغداد…في شارع الكتب، واسمه “شارع المتنبي” اشترينا، بقروش قليلة، كتباً عليها أسماء مالكيها القدامى، وخطوط الأسماء تشبه الحروف المائلة المكتوبة في رسالة حب.

كانت الأسرّة في واحد من أهم مشافي الشرق الأوسط في بغداد بدون فراش، ينام عليها بشر، بلا امل ، ينتظرون الذهاب إلى قبورهم.

أنا أعرف أن الحروب لا تعني سوى الموت. ولكنني أعرف أيضاً أن الموت لا يذهب إلى هؤلاء الذين نراهم كل يوم يسهرون في أفخم الأماكن، وتكلف أعيادهم، وأعراسهم وأزياء مناسباتهم…الملايين. وأولاد هؤلاء لا يذهبون إلى الجندية، لأنهم لايصحون باكرا بعد الحفله !

أولاد الفقراء هم من يموتون في الحرب، وهم من سيموتون في المجاعات القائمة والمقبلة.

هكذا تكون الجملة الأولى، (في هذه الشكوى):

“للقضاء على الفقر…يجب القضاء على الفقراء “…

ليست للمبالغة في الأدب، وإنما… لوصف الواقع !

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى