مفاتيح الممرات الضيقة : هل الأزمة السورية عند عتبات الانفراج ؟!

لايخفي السوريون يأسهم من كل مايجري حولهم من تطورات، فكل المعطيات تأخذهم وتعود بهم إلى دوامة اليأس، فما يجري على أرض الواقع يلعب دورا كبيرا مأساويا في نهش الجسد السوري :

• الجيش يقاتل بضراوة على كل الجبهات، وهذا يعني المزيد من الاستنزاف لشبابه وقدراته.
• المعارضة المسلحة تعتقد أن الأمر ينبغي أن يؤول إليها، فلا تتنازل، وهي بالتالي تتشتت وتفقد أي برنامج يوصلها إلى الحل، وخاصة أن تداخلها مع الارهاب أوقعها في دائرة الاستهداف، وهي دائرة لن تخرج منها في ظل الظروف الدولية المتشابكة.
• الاقتصاد، يتعثر في محاولات النهوض، لأنه لايمكن للاقتصاد أن ينتعش في ظل حرب تحرق الحقول وتخرب المصانع وتهجر العقول.
• الحوار السياسي هو أحد الطرق التي قد تؤدي إلى الحل، لكنه يتعثر يوما بعد يوم لأن لا أحد يتنازل، وإذا لم يكن هناك تنازلات حقيقية متبادلة فلا نتيجة من أي حوار!

فجأة تتغير المعطيات الدولية، فاللقاءات المكوكية “الروسية، الأمريكية” تنسج أحيانا خطوطا واهنة للحل، لاتلبث أن تقوى، ثم تعود فتضعف، وخلال هذه العملية تمكن الروس من تحقيق أهداف جزئية على صعيد تقوية المواقع على الأرض.

وفي المستجدات الأخيرة نسج الروس خيوطا أقوى من قبل، فرقعة سيطرة الدولة السورية تتسع وهي تتعامل معها كحليف يقوده رئيس دولة هو الرئيس بشار الأسد، وهذه الدولة هي مفتاح الحل، لذلك تدعمها بكل السبل. والجيش السوري العمود الفقري للدولة استطاع تنشيط مقدراته وتحديث أدواته العسكرية إلى الدرجة التي صار فيها العالم يراه وهو يحرر تدمر ويفتح طريق الرقة ودير الزور ويقترب من مطار الطبقة ويسعى لإنهاء الوضع في حلب ويصد هجمات صعبة في عشرات المواقع الأخرى من الأرض السورية ..

أمام تغير المعطيات الدولية يتحرك المشهد الاقليمي باتجاه غير متوقع، فالسعودية أشارت إلى تنازلات صعبة يتطلبها الوضع في سورية لكنها توقفت عن ضخ هذه الإشارات، وتركيا وجدت أن من الضروري الاعتذار من روسيا التي وضعت في وجهها مباشرة ورقة الارهاب في سورية فظهرت إشارات جديدة ذات معنى تتعلق بضرورة إنهاء الحرب، ثم ظهرت إشارات خطرة تتعلق بالصراع على حقول الغاز وتسويقه من شرق المتوسط ودخول إسرائيل على الخط، وكلنا يعرف أهمية موضوع الغاز بالنسبة لروسيا التي تعتبر الممول الرئيسي به لأوروبا التي هددتها بريطانيا بخطوتها الانفصالية الأخيرة ..

وهنا لا يمكن عزل الحرب في سورية عن الانعكاسات المتوقعة لأزمة الاتحاد الأوروبي وتداعياتها الصعبة التي تتنبأ بتفكك أوروبا وبنشوء تربة خصبة لعمليات إرهابية واسعة هدد بها تنظيم القاعدة مؤخرا من خلال تسجيلات أيمن الظواهري!

هل الظرف الداخلي في سورية مهيأ لاستثمار هذه المستجدات، المفترض أن تستثمر المعارضة المدعومة اقليميا الفرصة المتاحة أمامها لتحقيق اختراقات في حوار جنيف، وهذا لم يحصل نتيجة إصرار السعودية على سلم الأوليات في عمليات التغيير في سورية، وعلى رأسها تلك التي تتعلق بالرئيس بشار الأسد .. تبدو المسألة هنا، وكأنها عادت إلى البداية، وهذا التوقع غير دقيق، فقد صار واضحا أن المطلب السعودي يعني ((لا أمل)) ، إذن لابد من حل على هذا الصعيد ، فهل يجده الروس، أم يجده الرئيس الأسد نفسه بالاستمرار بتحقيق تقدم على الأرض يصبح معه المطلب السعودي الذي يتبناه وفد الرياض نافلا !

كانت السعودية تشدد على أن الطريق لتحقيق انتقال سياسي ((إسقاط الأسد)) مرهون باحتمالين الأول بالحوار السياسي، والثاني بالحرب ، فهل ظل احتمال الحرب قائما أمام هذه المعطيات التي تتراكم يوما بعد يوم، وقد أجهضت الادارة الأمريكية التحرك الذي ظهر فجأة خلال زيارة ولي ولي العهد السعدي إلى أميركا، بدعوة من خمسين دبلوماسيا أمريكيا لاستخدام القوة في إحداث ذلك التغيير المرتجى!

إذن ، لم يبق إلا ممر ضيق مرهون بتقديم تنازلات اقليمية، وقد بدأت تظهر معالمها، وهناك من يهمس باحتمال ثان وارد هو : انتظار رئيس أميركا القادم ، وعندها سيستمر الجيش السوري مع حلفائه بفرض سيطرة الدولة على الأرض السورية التي استباحها الإرهاب (كما يعتقد التحليل الرسمي)، والجميع يعرف السعي الروسي لفك التداخل بين الارهاب والمعارضة المسلحة، وهي خطوة ستضيف إلى قوة منطق الدولة السورية الكثير !

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى